أخبار
طلاب متطوعون يقدمون المساعدة في شبه جزيرة نوتو المتضررة من الزلزال
إرشادات عامة
قمنا بمتابعة أنشطة مجموعة من المتطوعين الشباب التابعين للمركز الرسمي للمتطوعين في مؤسسة نيبون ومقرها طوكيو، خلال جهود الإغاثة التي قدموها في منطقة سوزو بمحافظة إيشيكاوا. انطلقت مهمة الأعضاء المكونة من 6 أشخاص بالمشاركة في اجتماع تسليم مهام عبر الإنترنت قبل الانتقال إلى أعمال الإغاثة على أرض الواقع. تبادل الطلاب الآراء خلال هذا الاجتماع. من أبرز ما حدث خلال الاجتماع تساؤل طالب، يشارك في أعمال الإغاثة لأول مرة، عما إذا كان هناك أي شيء يجب على المشاركين تجنب القيام به، فنصحته شابة ذات خبرة سابقة في أعمال الإغاثة بالامتناع عن طرح أسئلة على الناجين قد تتسبب في استرجاع ذكريات مؤلمة. كما شددت على أن الأهم هو أن يسأل المتطوعون أنفسهم عما يمكنهم فعله للمساعدة وكيفية التصرف بناءً على ذلك، واسترسلت في تقديم العديد من النصائح الإرشادية بحكم خبرتها في المجال التطوعي.
بعد مرور ثلاثة أيام على الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.6 وفقًا للمقياس الياباني لشدة الزلازل، والذي ضرب شبه جزيرة نوتو في أول أيام عام 2024، وصل فريق عمل من مؤسسة ”إن إف في سي“ إلى المناطق المتضررة في 4 يناير/كانون الثاني. شرع فريق العمل على الفور في إصلاح الطرقات والمساعدة في البحث عن المفقودين، كما جمعوا المعلومات المهمة قبل وصول المتطوعين الذين تم إرسالهم ابتداءً من 17 يناير/كانون الثاني. تتمحور مهمة المتطوعين بشكل رئيسي حول تقديم الدعم لفريق الإغاثة التابع لمؤسسة نيبون وغيرها من المنظمات غير الربحية العاملة في المنطقة، إذ تتكفل هذه المؤسسات بتقديم المساعدة حيثما دعت الحاجة.
لقد كانت مدينة سوزو، الواقعة بالقرب من الجزء الشمالي لشبه جزيرة نوتو، من أكثر المناطق تضرراً بالزلزال الذي ضرب المنطقة في يناير/كانون الثاني 2024. تعرض أكثر من 3000 منزل في المدينة للدمار الكامل، ولحقت أضرار جسيمة بـما يقرب من 2500 منزل آخر. ولأن هذه المدينة تقع بعيداً عن المراكز السكانية الكبيرة مثل كانازاوا، فإن جهود الإغاثة وإعادة الإعمار فيها تسير بوتيرة بطيئة مقارنة بالمناطق الأخرى. عند زيارتنا لمنطقة سوزو في منتصف مارس/آذار، لم يكن التيار الكهربائي والمياه قد عادا إلى العديد من الأحياء بعد.
الواقع المر للوضع في منطقة الكارثة
عمل أعضاء المجموعة المكونة من 6 طلاب متطوعين، الذين تم إيفادهم إلى المنطقة في الفترة من 11 إلى 16 مارس/آذار، بشكل رئيسي إلى جانب موظفي منظمة غير ربحية تتخذ من مركز إجلاء مقرًا لها في منطقة أوريتوماتشي في سوزو. تولى الموظفون الأكثر خبرة من المنظمة القيام بأعمال صيانة المنازل باستخدام المعدات الثقيلة وغيرها من المعدات، بينما عمل الطلاب على تنظيف المساكن من الداخل وإزالة الأنقاض.
يصف أحد الطلاب المتطوعين في إزالة الأنقاض تجربته قائلاً: ”الواقع الذي تراه هنا يختلف تمامًا عن الصورة التي تتكون لديك من خلال ما تراه على الإنترنت أو ما يُبث عبر أخبار التلفزيون“. قد يبدو للمتفرج أن المبنى سليم نسبيًا من الخارج، إلا أن الدخول إلى داخله يكشف عن حقيقة مختلفة ومخيفة أحيانًا، إذ قد تصادفك غرف مليئة بالأثاث المقلوب والزجاج المتناثر في كل مكان. وبما أن منطقة نوتو تعرف رطوبة شديدة في الشتاء بسبب كميات الثلوج الكثيفة التي تتساقط عليها، فإن معظم المنازل هناك تتميز بجدرانها الطينية التي تساعد على التحكم بالرطوبة والتي قد تتحول إلى كتل من الغبار الكثيف بمجرد انهيارها. كما أن أكثر من نصف سكان مدينة سوزو من كبار السن ويعيش أغلبهم بمفردهم، مما يجعل من المستحيل عليهم تنظيف منازلهم بأنفسهم. اطلاع الطلاب المتطوعين على هذه الحقائق الصادمة عن قرب، عزز من عزيمتهم وشجعهم على تقديم المساعدة بشكل أكبر.
قام مشرف منظمة الإغاثة والمسؤول عن توجيه عمل المتطوعين في الموقع، السيد كاوشيما هيرويوشي، بمشاركة رسالة تلقاها من ابنة أحد الأزواج المتواجدين بمركز الإيواء. كانت فحوى الرسالة تدور حول آمال الابنة في قدرتها على تخفيف معاناة والديها بعد عودتهما من مركز الإيواء إلى منزلهما. لذا، يأمل السيد كاوشيما أن يبذل الطلاب قصارى جهدهم في إنجاح عمليات الإغاثة، دون إغفال العامل النفسي من خلال إبداء تضامنهم وتعاطفهم مع المتضررين من الكارثة.
فهم احتياجات الناجين من كبار السن
وصفت إحدى الطالبات التي تشارك في العمل التطوعي للمرة الثانية، تجربتها قائلة: ”في المرة السابقة كانت مهمتنا الرئيسية تنحصر في توزيع الطعام وغسل أقدام المتضررين ولكن في هذه المرة اكتشفت أن الاحتياجات تتغير باستمرار، كما أن الحالة المعنوية في مركز الإيواء قد تغيرت تمامًا“.
ولا يخفى أن عمليات الاغاثة لا تقتصر على هذه الأنشطة فقط، بل تتجاوزها أيضاً من خلال العمل على بناء مساكن مؤقتة ضمن مساعي إعادة الإعمار للمناطق المتضررة. فاليوم لم يبق سوى 50 نازحًا في مركز الإيواء الذي كان يضم في البداية حوالي 500 شخصاً، حيث انتقل العديد من الأشخاص إلى مساكن إيواء مؤقتة في كانازاوا وأماكن أخرى.
من الطبيعي أن تتزايد مخاوف الأشخاص النازحين بشأن منازلهم بسبب المخاطر التي تهددها مع مرور الوقت في الملاجئ. فحتى المباني التي لم تتأثر سوى بأضرار بسيطة، سرعان ما ستتدهور إذا لم يُقدم لها الصيانة اللازمة على مدى فترة طويلة. لذا، يعتبر الترميم والتدعيم، بالإضافة إلى التنظيف، ضرورياً للغاية قبل عودة السكان إلى منازلهم.
ونرصد هنا قصة إحدى السكان المحليات التي التقينا بها قرب منزل متضرر مقابل ميناء صيد الأسماك في نوروشي. تحكي هذه المرأة المسنة كيف تركت منزلها في كانازاوا قبل أيام قليلة وعادت إلى المأوى. وتقول: ”بُني المأوى على تل يُعتبر آمناً من حدوث أي تسونامي قد ينجم عن الهزات الارتدادية المستمرة. وعلى الرغم من أن المسافة إلى المأوى تبلغ 10 دقائق سيراً على الأقدام فقط للأشخاص الأصحاء، إلا أن الوصول إليه يعتبر صعباً بالنسبة لكثير من السكان المسنين“. وتضيف بحزن: ”عندما جئنا لتفقد المنزل بالأمس، استغرقت عودتنا إلى المأوى ساعة ونصف بسبب وضع زوجي الصحي وضعف ساقيه“.
تم تكليف طلاب متطوعين بإصلاح وتنظيف الطابق الثاني والسلالم في أحد المنازل المتضررة. وجُدت الملابس والكتب التي وقعت من الخزائن مبعثرة في كل مكان، وتساقط الطين من الجدران وتضررت الأرضيات بشدة. ولكن لحسن الحظ، لم يكن هناك أضرار كبيرة تتطلب معدات ثقيلة لعمليات التنظيف والترميم. فسارع الطلاب بتسريع وتيرة عملهم بعد التأقلم مع المهام المكلفين بها، حيث أكملوا ما تم تكليفهم به خلال نصف يوم فقط.
وأعربت مالكة البيت عن امتنانها وسعادتها قائلة: ”أنا سعيدة للغاية، فقد كنت أتوقع أن يستغرق تنظيف بيتي وإعادة ترتيبه أيامًا. لقد أضفى حضور هؤلاء الشباب البهجة على قلبي“.
تعود بدايات حركة المتطوعين في اليابان إلى زلزال هانشين آواجي الكبير الذي ضرب البلاد في عام 1995. وبعد زلزال شرق اليابان الكبير الذي حدث في عام 2011، توجه العديد من المتطوعين الشباب بمن فيهم الطلاب، إلى المناطق المتضررة للمساعدة في جهود إعادة الإعمار. إلا أن الكثير ممن ذهبوا دون فهم كاف لما كان يستلزمه الأمر تحولوا في كثير من الأحيان إلى عبء يضاف إلى ما يتحمله المنظمون من مسؤوليات، بالاضافة إلى تسجيل عدد كبير من المتطوعين بشكل يفوق الحاجة. وهذا ما تسبب في تعالي الأصوات التي طالبت بعدم السماح لعديمي الخبرة بالمشاركة في جهود الإغاثة.
إلا أن السيد كاواشيما عارض هذا الرأي بكل حزم وصرح قائلًا: ”الجميع يبدأ مبتدئين، وهناك الكثير من المهام في مناطق الكارثة لا تتطلب مهارات خاصة، بل مجرد أيادي عاملة للمساعدة. لذلك آمل أن يستجيب المزيد من الناس لنداءات المنظمات المطلعة مثل مؤسسة آن آف في سي ويأتوا للمساعدة“.
ويحظى غسل أقدام المتضررين التي يقدمها المتطوعون الطلاب في المأوى بتقدير كبير. إذ تشكل الحياة في الملاجئ المكتظة خلال برد الشتاء، تحديات كبيرة. لذلك تساعد حمامات القدمين على تنشيط الدورة الدموية، كما أنها تساهم في الوقاية من نزلات البرد والتخثرات الوريدية العميقة. وقد وصف أحد المستفيدين من حمام القدمين تجربته قائلاً:”أشعر بالدفء حتى النخاع وهذا ما يعني أني سأنام جيدًا الليلة“. بينما علق آخر بأن ”الشباب يضفون الكثير من البهجة على أجواء المأوى“.
الأشياء التي يمكن للشباب القيام بها
يتردد الكثير من الناجين في التحدث علانية عن مخاوفهم وقلقهم بشأن ما يخبئه لهم المستقبل، إلا أن حمام القدمين يسمح لهم بالاسترخاء والدردشة مع المتطوعين الشباب، وهذا ما يوفر معلومات أكثر عن احتياجات المتضررين التي قد يغفل عنها المسؤولون الحكوميون والخبراء في المجموعات الداعمة والمشرفين على عمليات الاغاثة. كما أن لهؤلاء الطلاب المتطوعين فضلاً كبيراً في جمع المعلومات التي يعتمد عليها موظفو المركز الوطني لرعاية الطفولة، إذ يسهل عليهم مهام الإغاثة وبالتالي يتمكنون من تقديم مساعدة أفضل لكل الفئات العمرية من اللاجئين.
وفي هذا السياق تعلق امرأة في السبعينيات من عمرها قائلة: ”دائمًا ما يغادر الشباب منطقة سوزو، لذلك من المبهج والجميل أن أتبادل أطراف الحديث مع شخص في هذا العمر مرة أخرى“.
الجميع كانوا مبتدئين في يوم من الأيام
كانت إحدى المهام الأخيرة المسندة إلى المجموعة هي استرداد محتويات سقيفة متضررة بشدة في منزل يقع على تلة في نوروشي.
وبدأت هذه المهمة بعد التأكد أولًا من ثبات السقيفة، ليشرع الطلاب في العمل بعدها مع استشارة صاحب المنزل بشأن الأشياء التي يجب التخلص منها. وتخلل هذه المهمة موقف أثر في صاحب المنزل السبعيني، عندما رأى الطلبة يقومون باستخراج جهاز تشغيل الاسطوانات الصوتية كان قد نسي وجودها، عندها أخبرهم أنه لا يمكنه التخلص منها لأنها كلفته نصف راتب سنة عندما كان شاباً. فاستجاب الطلبة لرغبته وقاموا بحملها إلى المنزل الرئيسي.
بعد إشرافه على العمل يخبرنا كاواشيما أن ”الشباب الذين يأتون إلى هنا لأول مرة يعودون إلى ديارهم وهم فخورين بما قدموه من مساعدة. لذلك آمل أن يعود هؤلاء الصغار للمساعدة مرة أخرى“.
فبعد مرور ما يقارب العقد على تطوع الطلاب عقب زلزال شرق اليابان الكبير، أصبح هؤلاء الأشخاص الآن في منتصف الثلاثينات من العمر. ورغم أن الكثير منهم لديهم ارتباطات مهنية وعائلية، إلا أن عددا منهم ترك كل شيء وجاء للمساعدة في شبه جزيرة نوتو بعد الزلزال، حيث قدموا نصائح قيمة للمتطوعين من طلاب اليوم، لذلك يؤكد السيد كاواشيما على أهمية ذلك قائلًا: ”اليابان بلد الكوارث، والخبرة التي يتم اكتسابها هنا في نوتو ستكون مفيدة من أجل التعامل خلال الكوارث المستقبلية“.
ويشير أيضاً السيد كاواشيما إلى أنه هو أيضاً كان مبتدئًا في مجال إغاثة المنكوبين في يومٍ ما، إلى أن أصبح عضوًا فاعلًا على أرض الميدان مع مرور السنين. ويضيف قائلا: ”تعبير الناس عن تقديرهم لما أقوم به يعني لي الكثير“. لذلك يشجع أي شخص يرغب في تقديم المساعدة على القدوم إلى منطقة الكارثة للمشاركة في عمليات الإغاثة وإعادة الاعمار، معربًا عن أمله بأن يصبح البعض منهم قادةً في مستقبلاً.
العمل التطوعي ينبع من القلب
في الليلة الأخيرة من مهمة الطلبة، قاموا بتقديم حمامات للقدمين لمضيفيهم في النزل، تعبيراً عن امتنانهم خلال فترة إقامتهم هناك، وهذا ما جعل الزوج يتأثر حتى البكاء بسبب اقتراب موعد رحيلهم، وطلبت زوجته منهم العودة مرة أخرى. ليؤكد الطلبة عزمهم على العودة مرة أخرى.
في الاجتماع الختامي، يسترجع الطلاب ذكرياتهم وتجاربهم خلال هذه الرحلة. حيث يقول أحدهم: ”لقد كنت مترددا في لمس ممتلكات الناس من كتب وألبومات صورهم المليئة بالذكريات الثمينة“. ويصف آخر مشاعره قائلاً : ”حاولت أن أبذل قصارى جهدي مستشعراً الطابع الفريد لكل منزل ومحاولاً فهم قصته“. ثم تعلق طالبة أخرى: ”العمل التطوعي ينبع من القلب لذلك فهو يحمل طابعاً خاصاً ومميزاً“ .
وعليه يمكن القول ختاماً أنه خلال أسبوع واحد فقط من العمل التطوعي، أصبح المبتدئون من ذوي الخبرة، وأصبح المتطوعون المتمرسون قادة. وصار الجميع أكثر حكمة، لقد تعلم الجميع التفكير فيما يمكنهم القيام به، وشرعوا في تنفيذه.