أخبارمجتمع

الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وآثارها المدمرة أثناء الكوارث في اليابان

أنماط الشائعات الكاذبة أثناء الكوارث

انتشرت شائعات عبر الإنترنت حول زلزال 1 يناير/كانون الثاني عام 2024 الذي ضرب شبه جزيرة نوتو، ونجمت عنه مشاكل خطيرة. وانتشر الجزء الأكبر منها عبر موقع X (تويتر سابقا)، ما دفع رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو إلى التحذير في 2 يناير/كانون الثاني من أنه لن يتم التسامح مع نشر معلومات مضللة خبيثة حول الكارثة. وسأستعرض أدناه الأشكال المتنوعة للشائعات التي تنتشر في أوقات الكوارث، والأنماط التي تتبعها، ونصائح للتعامل معها.

تولد الكوارث الكبيرة شعورا بعدم الارتياح ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء المجتمع، ما يشكل أرضا خصبة لانتشار الشائعات. حصل الأمر نفسه أثناء زلزال كانتو الكبير عام 1923، الأمر الذي يثبت أن البشر يميلون لنشر الشائعات في أوقات الكوارث حتى ما قبل عصر وسائل التواصل الاجتماعي. وتساهم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي – في وقت الراهن – إلى حد كبير في سرعة وانتشار الشائعات.

أعتقد أن المعلومات الكاذبة في أوقات الكوارث تكون ضمن خمسة أنماط. وسأوضح أدناه تلك الأنماط في سياق زلزال نوتو.

شائعات حول حجم الأضرار

تم الترويج لمشاهد تسونامي من زلزال شرق اليابان الكبير في 11 مارس/آذار عام 2011 على أنها مشاهد من كارثة نوتو، وحققت عدة ملايين من المشاهدات. كما انتشرت معلومات غير مؤكدة حول أسباب الزلزال والحرائق التي اجتاحت سوقا عريقة عمرها قرونا في مدينة واجيما، بالإضافة إلى معلومات عن حالة محطة شيكا للطاقة النووية التي تشغلها شركة هوكوريكو للطاقة الكهربائية.

شائعات حول النشاطات الإجرامية

كما انتشرت معلومات لا أساس لها تقول إن عصابات من اللصوص الأجانب تدفقت إلى نوتو. وانتشرت أيضا الكثير من الشائعات حول النهب والسلوك الإجرامي في مراكز الإخلاء. وكما هو الحال في الكوارث السابقة، حذرت سلطات الشرطة مرارا من هذه المعلومات الزائفة.

نداءات إنقاذ كاذبة

تم تناقل طلبات مشكوك فيها للإنقاذ بعبارات مثل ”ساعدوني! أنا محاصر في سيارتي“ أو ”عائلة صديقي لا تستطيع الخروج من منزلهم بسبب التواء الباب الأمامي“، بسرعة دون التحقق منها. وقد استخدمت وسوم ”هاشتاغات“ مثل #SOS أو #Pleaseretweet أو #Help ما يسهل من إعادة نشر هذا النوع من الرسائل ويساهم في تداول معلومات كاذبة حول الحجم الحقيقي للكارثة.

مناشدات كاذبة للقيام بأعمال خيرية

طلبت بعض الحسابات تقديم تبرعات بأموال إلكترونية من أجل إعادة الإعمار المستقبلية واحتياجات أخرى.

نظريات المؤامرة

كما انتشرت معلومات كاذبة تفيد بأن زلزال نوتو مصطنع. وكشف تحليل أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK أنه في غضون 24 ساعة تقريبا من بداية الزلزال في 1 يناير/كانون الثاني حتى الساعة 5:30 مساء في 2 يناير/كانون الثاني، انتشر حوالي 250 ألف منشور تفيد بأن الزلزال مصطنع، بلغت نسبة مشاهدة بعضها نحو 8.5 مليون مرة.

الآثار العميقة للشائعات

غالبا ما تحتوي الشائعات التي لا تستند إلى أي أساس من الصحة على عناصر تثير العواطف أو الرغبة في إخبار الآخرين. قد تؤدي المشاعر القوية مثل القلق أو الغضب أو دوافع ناجمة عن محبة للغير، إلى قيام بعض الأشخاص بنشر الشائعات. وقد أظهرت دراسة أجراها فريقي البحثي أن الكثير من الأشخاص الذين ينخرطون في هذا السلوك يقدمون على ذلك بسبب شعورهم بالقلق أو لأنهم يعتقدون أن نشر الشائعات هو لصالح الآخرين أو المجتمع.

ولكن الترويج للشائعات في أوقات الكوارث يترتب عليه آثار عميقة. فمن الممكن أن تثير المعلومات الكاذبة حالة من الذعر أو الارتباك، كما قد تقود إلى فوضى في عمليات الإخلاء، حيث قد يبقى الأشخاص الذين ينبغي عليهم الفرار في مكانهم، في حين يخرج آخرون إلى الطرق بينما هم في مأمن، ومن الممكن أن تؤدي إلى التعامل بشكل غير صحيح مع إمدادات الإغاثة. وقد يتعقد ذلك الوضع بشكل كبير في المناطق المتضررة، ما يؤثر سلبا على جهود الإنقاذ. ومن الممكن أن تنتشر فرق الإنقاذ دون حاجة، ما يزيد العبء على كاهل موظفي الإدارات المحلية.

تتعمق الانقسامات الاجتماعية بين من يصدقون الشائعات ومن يكذبونها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التمييز أو الاستبعاد ضد مجموعات معينة، ما يعرضهم لخطر تحركات انتقامية.

ولكن التأثير السلبي الأكبر للشائعات هو تعقيد عملية الحصول على معلومات دقيقة. عند وقوع الكوارث، تنطلق الجهات المستجيبة في اتخاذ قراراتها من افتراض أنها تعمل بناء على معلومات دقيقة. المعلومات الصحيحة تشجع سلوكيات تحمي حياة الإنسان كما توفر الطمأنينة للمتضررين من الكارثة. لكن انتشار الشائعات يقلل من موثوقية المعلومات، ما يجعل الناس متشككين وأقل قدرة على اتخاذ قرارات مناسبة.

السعي لزيادة عدد مشاهدات المواقع الإلكترونية

يشير البعض إلى ”اقتصاد الانتباه“ كسبب لانتشار الشائعات حول الزلزال. إن مدى جذب الانتباه أو الاهتمام في ظل الفضاء الرقمي الحديث، له قيمة اقتصادية. بمعنى آخر، عندما تتزايد المعلومات عبر الإنترنت بشكل هائل، على نحو يفوق قدرة الدماغ البشري على المعالجة، يصبح جذب انتباه الناس أكثر أهمية من تقديم معلومات صادقة.

إن السعي لزيادة عدد مرات الدخول إلى المواقع الإلكترونية من أجل إيرادات الإعلانات عبر الإنترنت هو مثال جيد لهذا المفهوم. فالمواقع المدعومة من إيرادات الإعلانات، تكون الزيارات ضرورية لجلب أكبر قدر ممكن من الإيرادات. ولذلك تركز هذه المواقع على جذب الانتباه، وليس على جودة المعلومات التي تقدمها.

نما اقتصاد الانتباه بسرعة في السنوات الأخيرة. كان من المعتاد أن تتنافس وسائل الإعلام التقليدية والإعلام عبر الإنترنت على جذب الانتباه، ولكن في الوقت الراهن عندما يمكن لكل شخص على هذا الكوكب نشر المعلومات، أصبحت زيارات المواقع الإلكترونية التي يديرها الأفراد الخاصون ومشاهدات اليوتيوب مصدرا لتحقيق الدخل. وكلما كان المحتوى أكثر غرابة، أصبح من الأسهل الحصول على مشاهدات للمواقع. وهذا ما يدفع مستخدمي يوتيوب وغيرهم لنشر المزيد والمزيد من المواد المثيرة مثل الفضائح أو الأعمال الغبية أو اعتقالات المواطنين لجذب الانتباه.

في أغسطس/آب من عام 2023، دشنت منصة X (تويتر) برنامجا لمشاركة إيرادات الإعلانات مع المستخدمين الذين يستوفون معايير معينة، مثل الحصول على 500 متابع أو أكثر، أو تحقيق أكثر من 5 ملايين مشاهدة خلال فترة ثلاثة أشهر.

إن عوائق النشر على منصة X أقل بكثير من يوتيوب، كما أن المنصة قادرة على نشر المحتوى بشكل أوسع بكثير، وهذا بدوره يتيح لعدد أكبر من الأشخاص المشاركة في اقتصاد الانتباه. وبالتالي أصبحت المنصة قناة ضخمة لانتشار جميع أنواع الشائعات التي تجذب انتباه الناس. وسمحت المنصة لاقتصاد الانتباه بالانتشار بين الأفراد، ما يدفعهم لنشر مواد استفزازية أو معلومات كاذبة بهدف جذب المزيد من المتابعين أو الحصول على المزيد من المشاهدات.

في زلزال نوتو، تم نسخ الكثير من الشائعات المنشورة عبر الإنترنت وأعيد نشرها، ما ولّد موجة واسعة من التغريدات المنسوخة. وكان عدد كبير من الحسابات التي تعيد النشر ليس من الحسابات التي تنشر عادة باللغة اليابانية، وهي اللغة التي كتبت بها المواد المعاد نشرها. من الواضح أن الناشرين – سواء كانوا محليين أو أجانب – كانوا يستغلون الفرصة للحصول على مشاهدات. في كل مرة تحدث فيها كارثة، تتولد شائعات أو تنسخ وتنشر على نطاق واسع.

الذكاء الاصطناعي يسرع الاضطرابات الاجتماعية

أتاح الذكاء الاصطناعي التوليدي لأي مستخدم إمكانية إنشاء صور أو مقاطع فيديو مزيفة وأخرى مولدة بتقنية ”ديب فيك (التزوير العميق)“ بسهولة. يمكن أن تنتشر المعلومات الكاذبة أو الزائفة بسرعة بهذه الطريقة: نحن ندخل الآن حقبة جديدة تُسمى ”النسخة الثانية من التزوير“. على سبيل المثال، في الصراع بين إسرائيل وحماس، انتشرت صور أو مقاطع فيديو مزيفة مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي بشكل متكرر بهدف التأثير على الرأي الدولي.

إن انتشار الشائعات يؤثر بالفعل على تبادل المعلومات في أوقات الكوارث. انتشرت صور التقطتها طائرات مسيرة للفيضانات في محافظة شيزوؤكا في عام 2022 عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها كانت في الواقع صورا مزيفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. لا يتطلب إنشاء مثل هذه الصور أي خبرة تقنية خاصة، وتبين أنها نُشرت بواسطة شخص يستخدم خدمة تُدعى ”ستابل ديفيوجن“ التي يمكن الوصول إليها من قبل الجميع. وذكر لاحقا أنه نشر الصور ببساطة بينما كان يعبث بهاتفه الذكي من منزله المريح.

في الوقت الحاضر، غالبا ما تُستخدم مقاطع فيديو أو صور موجودة مسبقا لنشر الشائعات، لكنني أعتقد أنه سيصبح من الشائع في المستقبل انتشار الصور أو مقاطع الفيديو المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي والتي لا يمكن تمييزها تقريبا عن الحقيقية. يمكن للتقدم في تقنية الذكاء الاصطناعي أن يزيد بشكل كبير من حجم الشائعات المنتشرة وأن يفاقم من الاضطرابات الاجتماعية.

التعامل مع الشائعات

يتعين علينا عند التعامل مع الشائعات التفكير في سلوكنا الخاص، بدءا بالإدراك أننا أنفسنا عرضة لتصديقها. ولذلك يجب أن نكون دائما على حذر من المعلومات التي نتعرض لها.

كشفت دراسة أجريتها مع فريقي البحثي أن 77.5% من المستجيبين للمسح الذين تعرضوا لشائعات لم يتم التحقق منها، كانوا غير مدركين لحقيقة أنهم هم أنفسهم تعرضوا للخداع. وكان هذا الأمر أكثر بروزا بين الأشخاص في الخمسينات والستينات من العمر مقارنة بالمشاركين الأصغر سنا. وهذا يؤشر على أن الشائعات تطال الجميع، وليس الشباب فحسب. يجب أن نكون على علم بأن كل واحد منا قد يقع في فخ الإشاعات.

ووجدت أبحاث أمريكية أن معظم الأشخاص كانوا مفرطي الثقة في قدرتهم على التمييز بين الحقيقة والباطل، وأن هؤلاء الأشخاص هم النوع الأكثر عرضة للتضليل.

من المهم أيضا التحقق من المعلومات. يجب علينا التحقق من موثوقية المعلومات من خلال مراجعة كيفية تعامل وسائل الإعلام الأخرى أو الأفراد مع المعلومات أو من خلال إجراء بحث عن الصور. هناك الكثير من الطرق للتحقق من المصادر، وعلى الرغم من صعوبة التحقق من كل معلومة في كل مرة عندما نكون مغمورين بطوفان من المعلومات، إلا أنه يجب علينا أن نتوقف ونفكر للحظة للتحقق قبل مشاركة المعلومات.

تحتوي منصة X على ميزة ”ملاحظات المجتمع“ والتي تخول المستخدمين الإبلاغ عن محتوى مضلل وإضافة مزيد من المعلومات. تتيح هذه الميزة للمساهمين ترك ملاحظات على أي منشور، وإذا قيّم عدد كافٍ منهم تلك الملاحظة بأنها مفيدة، تُلحق الملاحظة إلى المنشور ليراها الجميع. قد يكون من المفيد مراجعة ملاحظات المجتمع على منصة X للتحقق من المعلومات.

ولكن الشائعات لا تشكل مشكلة في الفضاء الرقمي فقط. فقد كشفت نتائج أبحاثي أن الشائعات تنتشر بشكل كبير عبر المحادثات المباشرة مع العائلة أو الأصدقاء أو المعارف. وأظهرت أبحاث في مجال الاتصالات أيضا أن الناس يصدقون المعلومات التي تأتي من أشخاص قريبين منهم بسهولة أكبر من أي شيء قد يقوله الخبراء. يجب أن نكون على يقظة لمخاطر تصديق ما يقوله الأشخاص الذين نعرفهم دون التحقق مما إذا كان صحيحا. من المرجح أيضا أن يتم تضخيم الشائعات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات الكوارث أثناء المحادثات المباشرة.

يجب على مشغلي منصات التواصل الاجتماعي بذل قصارى جهدهم لضمان نشر معلومات موثوقة. منذ أن استحوذ إيلون ماسك على منصة X ضعفت وظيفة فحص المحتوى على المنصة. إن احترام حرية التعبير أمر بديهي، ولكن ينبغي تطبيق معايير أكثر صرامة على المعلومات الكاذبة التي تؤجج الاضطرابات الاجتماعية. أحد التدابير المضادة المهمة هو الحد من الإيرادات الناجمة عن نشر المعلومات الزائفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق