يبدو أن اليابان قد اشترت «بعض الوقت» والهدنة للين المتراجع من خلال أحدث تدخلاتها المحتملة في الأسواق، لكنها أعدَّت نفسها أيضاً لحرب طويلة الأمد مع سوق تنظر إلى الين بوصفه عملة مقنعة، كما يقول المحللون.
ويقدر المتداولون أن بنك اليابان أنفق ما يقرب من 59 مليار دولار للدفاع عن العملة هذا الأسبوع، مما ساعد على وضع الين على المسار الصحيح لتحقيق أفضل أداء أسبوعي له منذ أكثر من عام.
وارتفعت العملة اليابانية بنسبة 5 في المائة من أدنى مستوى لها في 34 عاماً عند 160.245 ين مقابل الدولار الذي سجَّلته يوم الاثنين، ولم تؤكد طوكيو بعدُ تدخلها.
لكنَّ ارتفاع هذا الأسبوع لم يكن خطياً في سوق هبوطية بالتأكيد للعملة اليابانية، نظراً إلى الفجوة الهائلة بين العوائد اليابانية المنخفضة للغاية وتلك الموجودة في الاقتصادات الرئيسية الأخرى. وتأرجح الين بشكل حاد خلال نوبات التدخل المشتبه بها، حيث ارتفع بما يقرب من 5 ينات في غضون دقائق وتخلى عن جزء من ذلك بسرعة.
وقال روب كارنيل، رئيس أبحاث آسيا والمحيط الهادي في «آي إن جي»: «لم يتغير شيء فعلياً. أعتقد أن هذا وفَّر هدنة مؤقتة فيما ستختبره الأسواق حتماً مرة أخرى»، حسب «رويترز». متابعاً أن الين أصبح «حلم المتداولين»، حيث يمكنهم جني الأموال بسهولة عن طريق شراء الدولار مقابل الين، وانتظار ارتفاع السعر ثم بيعه مع تدخل بنك اليابان لدعم الين، مؤكداً أن السلطات اليابانية ستعاود التدخل في مرحلة ما.
وقبل التدخل المحتمل الحالي، تدخلت السلطات اليابانية آخر مرة بين سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) في عام 2022 وأنفقت نحو 60 مليار دولار للدفاع عن العملة. وكان سعر الين آنذاك يقترب من 152 يناً للدولار، ولكن في غضون شهرين بعد ذلك التدخل، عاد سعر الين إلى الانخفاض مرة أخرى. وفقدت العملة اليابانية نحو 20 في المائة من قيمتها مقابل الدولار عندما وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1990 هذا الأسبوع.
وقال كاسبار هينس، مدير المحفظة لدى شركة «بلوباي» لإدارة الأصول: «بسبب الفوارق الكبيرة في العوائد، سيظل المضاربون على الجانب الآخر من هذه التجارة». حيث يبلغ الفارق بين عوائد سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل 10 سنوات وعوائد سندات الحكومة اليابانية نحو 4 نقاط مئوية.
ويقول بن بينيت، استراتيجي الاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادي في شركة «ليغال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت»، إن وزارة المالية اليابانية، التي تتمثل مهمتها في إدارة الين، تدرك جيداً كيفية تكديس الاحتياطيات النقدية مقابل الين، ولا تعمل إلا على احتواء الوتيرة. وأضاف أن «التدخل له ثمن، وأعتقد أن وزارة المالية لن تكون مستعدة لإنفاق الأموال على هدف محدد».
وحتى بعد تحرك بنك اليابان المركزي بعيداً عن أسعار الفائدة السلبية في مارس (آذار) الماضي، يظل الين أرخص عملة رئيسية للاقتراض والبيع على المكشوف، مما يحسم مصيره.
ويقول المحللون إن هذا يزيد من تعقيد التوقعات بالنسبة للين، ولكن يبدو أن مستوى 160 هو المستوى الذي يريد بنك اليابان حمايته.
ويعتقد هيروفومي سوزوكي، كبير استراتيجيي العملات في مؤسسة «سوميتومو ميتسوي» المصرفية في طوكيو، أن السلطات اليابانية تعد الانخفاض بعد اجتماعها في مارس «مضاربات غير مقبولة»، وربما تهدف إلى إعادة الين إلى 155 يناً للدولار الواحد، حيث كان مستواه قبل قرار الفائدة.
ويشعر يوجيرو جوتو، رئيس استراتيجية العملة لليابان في بنك «نومورا»، بأن السلطات تريد فقط مساعدة مستورديها في الحصول على الدولارات التي يحتاجون إليها. وقال: «أعتقد أن المستوى 150 مثالي للمستوردين اليابانيين. وأعتقد أن المستوى 152 – 152.50 هو على الأرجح ما أرادت وزارة المالية تحقيقه، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى، لذلك هناك خطر من عودة وزارة المالية لجولة أخرى من التدخل».
ويدرك المضاربون أيضاً أن الاحتياطي الحكومي ليس بلا حدود. وتمتلك اليابان نحو 1.3 تريليون دولار من احتياطيات العملة، لكنَّ نحو 155 مليار دولار فقط تحتفظ بها في شكل ودائع سائلة بالدولار.
وفي الوقت نفسه، تتراجع رهانات بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة مع بقاء الاقتصاد الأميركي وأسواق العمل ساخنة. وقد ارتفعت مراكز المضاربة على المكشوف بالين إلى أكبر مستوياتها منذ 17 عاماً.
ويقول فريد نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك «إتش إس بي سي»، إن اليابان تحاول فقط إنهاء المضاربة غير المتماثلة من جانب واحد، بدلاً من الدفاع عن أي مستويات للين. وأضاف أنه «بالنظر إلى حقيقة ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية لفترة أطول، فإن هذا يعد بمثابة ممارسة لإدارة الموقف؛ وليس ممارسة تؤدي بالضرورة إلى ارتفاع سريع في قيمة الين».