أخبار

كيف يمكن لليابان أن تنجح في التحول إلى مصادر الطاقة الخضراء؟

في أعقاب الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية عام 2011، زادت اليابان من اعتمادها على الفحم. في غضون ذلك، تعمل أوروبا على تسريع جهودها الرامية إلى التوقف عن استخدام الكربون، وقد تتجه الولايات المتحدة أيضًا إلى تفعيل سياسات أكثر حفاظاً على البيئة، وذلك وفقاً لنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة. فما هو المسار الذي يجب أن تختاره اليابان، مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي ستواجهها عند إعادة تشغيل محطاتها النووية.

التركيز على التحول العالمي

أعلنت الحكومة اليابانية عزمها على تقليل استخدام محطات الطاقة الحرارية القديمة التي تعمل بالفحم، والتي تنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وذلك خلال السنة المالية 2030. كما تعتزم تعليق أو التوقف عن استخدام حوالي 100 محطة طاقة غير فعالة تعمل بالفحم في تحول سياسي يهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويأتي هذا على خلفية الدبلوماسية الدولية المعنية بنزع الكربون، مع التركيز على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. بدأ الاتحاد الأوروبي وآخرون في بناء نظام جديد تحت شعار ”الطاقة الخضراء“، وفي غضون ذلك تتعرض اليابان لضغوط متزايدة بل واتُهمت بأنها ”مدمنة على الفحم“ من قبل أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة. مع وجود احتمال أن تتحول الولايات المتحدة إلى سياسات أكثر حفاظاً على البيئة، وفقاً لنتيجة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني، صرّح مسؤول حكومي ياباني أنه من المهم تبني موقف إيجابي تجاه مسألة نزع الكربون.

إلا أن التخلص من بعض محطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم لن يقلل من الانبعاثات بشكل كبير. كما لا يزال من غير الواضح كيف تعتزم اليابان إيجاد مصادر بديلة للطاقة الكهربائية. مع عدم وجود احتمال لإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية، ستتجه الأنظار إلى الإدارة اليابانية الجديدة التي تتولى زمام الأمور لمعرفة ما إذا كان بإمكانها تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، بما في ذلك طاقة الرياح البحرية والطاقة الشمسية.

خطة عمل للتخلص تدريجياً من الطاقة الفحمية

في 3 يوليو/ تموز، صرّح وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة كاجياما هيروشي أنه مع اقتراب عام 2030، ستضمن الحكومة ”الاختفاء التدريجي“ للطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم وستبدأ في التوقف مبكراً عن استخدام مصادر الطاقة الملوثة للبيئة. استعدادًا لهذا الإلغاء التدريجي، أنشأت وكالة الموارد الطبيعية والطاقة مجموعة عمل جديدة داخل اللجنة الاستشارية للموارد الطبيعية والطاقة للنظر في الطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم، وتتألف من فريق من الخبراء تحت إشراف الأستاذ أؤياما تسوتومو من جامعة يوكوهاما الوطنية.

استنادًا إلى اتفاقية باريس لعام 2015، وهي إطار دولي لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، تعهدت اليابان علنًا بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 26% عن مستويات 2013 بحلول عام 2030. ولتحقيق ذلك، وافق مجلس الوزراء الياباني على خطة الطاقة الإستراتيجية الخامسة للدولة في يوليو/ تموز 2018، حيث اقترحت بموجبه أن تشكل الطاقة الحرارية الفحمية نسبة 26% فقط من إجمالي الطاقة المولدة (مجموع إمدادات الطاقة).

ولكن كانت هناك تأخيرات في عملية إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية التي تعتبرها الحكومة مصدرًا أساسيًا وهامًا للطاقة. وبالتالي فالاعتماد على الفحم لا يزال قائماً. كانت نسبة الطاقة الحرارية الفحمية 32% من الإجمالي في السنة المالية 2018. علاوة على ذلك، لدى اليابان خطط لبناء أو استبدال 17 محطة فحمية في جميع أنحاء البلاد، وخلصت وكالة الموارد الطبيعية والطاقة إلى أن هذا سيزيد من اعتماد البلاد على الفحم إلى ما يقرب من 40%.

من أجل تقليل اعتماد اليابان على الفحم، تدرس مجموعة العمل تدابير جديدة للحد من الاستخدام غير الفعال للفحم. تُعرِّف وكالة الموارد الطبيعية والطاقة هذا بأنه تقنيات الضغط دون الحرج (Sub-C) الأقدم والضغط فوق الحرج (SC). تبلغ كفاءة توليد الطاقة للضغط دون الحرج (Sub-C) 38% أو أقل، أما بالنسبة للضغط فوق الحرج (SC) فتتراوح النسبة بين 38% إلى 40% أي أقل بكثير من أحدث التقنيات التي تحقق 55%. عدد محطات Sub-C وSC 114 من إجمالي 150 محطة طاقة حرارية تعمل بالفحم جاري تشغيلها حاليًا في اليابان، وتوفر 16% من مجموع إمدادات الطاقة.

في أغسطس/ آب، بدأت مجموعة العمل إجراء مناقشات حول كيفية تعليق استخدامها أو وقفها.

مخاوف من عزلة دولية

تم تحديد إطار العمل الخاص بسياسة الاختفاء التدريجي أيضًا في خطة الطاقة الاستراتيجية الخامسة التي تم تبنيها في عام 2018. ولكن هذا العام، يبدو أن وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة وآخرين يتعاملون مع هذه السياسة باعتبارها أولوية ملحّة، كما يلاحظ المقربون من الحكومة أن التغييرات الهائلة في العلاقات الدولية المتعلقة بالطاقة الخضراء كان لها تأثير واضح.

في نهاية عام 2019، أعلنت المفوضية الأوروبية، التي تقود سياسات الاتحاد الأوروبي للحفاظ على البيئة، عن خطة جذرية جديدة نجحت في تعديل أهداف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من 40% المحددة لمستويات 2019 إلى 50%-55% وذلك بحلول عام 2030. في مارس/ آذار 2020، كشفت المفوضية الأوروبية النقاب عن قانون للمناخ يهدف إلى تقليل صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري داخل الاتحاد الأوروبي إلى الصفر بحلول عام 2050. وللمساعدة في تحقيق الهدف الجديد، قدم فريق الخبراء المسؤول عن مناقشة تمويل الاستدامة في المفوضية الأوروبية اقتراحًا لإزالة الطاقة الحرارية الفحمية من محفظتها الاستثمارية في القطاع الأخضر.

في الأسواق المالية، اتسع نطاق التحركات التي تهدف إلى تقييد الاستثمار ومنح القروض للشركات المعتمدة على الكربون، مثل تلك العاملة في توليد الطاقة من الوقود الأحفوري. حتى في اليابان، منذ عام 2019، أعلنت ثلاث مجموعات مالية ضخمة هي إم يو أف جي MUFG، ميزوهو، ميتسوي سوميتومو وآخرون أنهم، من حيث المبدأ، لن يقوموا بتمويل مشاريع الطاقة الحرارية الجديدة التي تعمل بالفحم. ولكن إذا شدد الاتحاد الأوروبي قواعده، فقد يتقلص الاستثمار في الفحم بشكل أكبر.

بينما تضغط أوروبا من أجل نزع الكربون، فإنها تقود أيضًا الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة، وقد أعربت عن نيتها تعزيز الابتكار التكنولوجي. اقترحت قيادة صندوق النقد الدولي، وهي على دراية جيدة بالسياسات الاقتصادية والبيئية، أن أخذ زمام المبادرة لوضع معايير ومبادئ توجيهية دولية أخرى تهدف إلى نزع الكربون من شأنه أن يمكّن البلدان من اكتساب ميزة في الأنشطة الصناعية والاقتصادية لعقود قادمة.

فيما قد يُنظر إليه على أنه محاولة للحفاظ على الهيمنة، قامت الصين، وهي واحدة من أكبر الدول المتسببة في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم، بزيادة نسبة إنتاجها للسيارات الكهربائية وغيرها من سيارات الطاقة الجديدة، وأعلنت عن خطط لتعزيز الابتكار التكنولوجي الذي يهدف إلى خفض الانبعاثات. يشير خبراء في الأمن الاقتصادي إلى أن الصين تهدف إلى السيطرة على سوق السيارات العالمي من خلال السيارات الكهربائية وإلى الترويج لنفسها على أنها دولة تمارس سياسات تهدف إلى الحفاظ على البيئة.

أعرب مسؤولون من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة ووزارة البيئة عن قلقهم ليس فقط من الجهود المكثفة التي يبذلها كل من الاتحاد الأوروبي والصين لتشكيل نظام عالمي جديد للطاقة، ولكن أيضًا من احتمال حدوث تغيير في سياسة الولايات المتحدة. منذ عام 2017، قدمت الولايات المتحدة دعمًا تفضيليًا لصناعة الوقود الأحفوري، تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب الذي يشكك بشكل واضح في حقيقة تغير المناخ. ولكن إذا فاز نائب الرئيس السابق جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني، فهناك احتمال كبير بأنه سيوجه البلاد نحو سياسات أكثر مراعاة للبيئة. لقد صرح بايدن بالفعل بأن البنية التحتية البيئية ضرورية لرفاهية وحيوية الشعب والاقتصاد الأمريكي، وأعلن عن سياسات تهدف لاستثمار 2 تريليون دولار في الطاقة النظيفة على مدار أربع سنوات.

كما هو الحال مع انتخابات عام 2016، من السابق لأوانه التنبؤ بنتيجة الانتخابات، لكن أولئك المشاركين في الدبلوماسية البيئية قلقون للغاية من أنه في حالة فوز بايدن في الانتخابات، قد تجد اليابان نفسها معزولة حيث تتبنى الولايات المتحدة وأوروبا سياسات تهدف إلى نزع الكربون. في ضوء ذلك، يمكن النظر إلى سياسة ”الاختفاء التدريجي“ التي تنتهجها اليابان على أنها مرحلة تحضيرية لإجراء تغييرات جذرية محتملة بالتزامن مع تزايد الضغط الدولي واحتدام المنافسة على كرسي الرئاسة الأمريكية.

صعوبة التخلص من إدمان الفحم

حتى مع إنشاء مجموعة عمل للنظر في التخلص التدريجي من الفحم، فإن المسار بالنسبة لليابان بعيد كل البعد عن الوضوح.

وقد أبدى قطاع صناعة الحديد والصلب في اليابان مقاومة كبيرة لهذه السياسة، فمن بين 114 محطة طاقة حرارية غير فعالة تعمل بالفحم حددتها وكالة الموارد الطبيعية والطاقة للتخلص منها، هناك 80 محطة لا يتم تشغيلها من قبل شركات الطاقة، بل تديرها شركات أخرى لتوفير الطاقة لمنشآتها الخاصة. لذلك فمن المرجح أن تعاني صناعة المواد من أكبر ضربة من جراء تلك التغييرات.

أخبر اتحاد الحديد والصلب الياباني مجموعة العمل أن الصناعة تتخذ زمام المبادرة لتقليل انبعاثاتها وتعزيز الحفاظ على الطاقة. وحذّر كاندا تاكاهارو، رئيس لجنة الطاقة الكهربائية في اتحاد الحديد والصلب الياباني JISF، من أن إلغاء محطات الطاقة الداخلية سيؤثر على استدامة الصناعة وقدرتها التنافسية العالمية. كما أعرب ماكينو هيديئكي، المدير التنفيذي لرابطة الصناعات الكيميائية، عن قلقه بشأن التخلص من طاقة الفحم، مشيرًا إلى أنه سيكون من الضروري توفير بنية تحتية إضافية للطاقة البديلة وضمان إمداد الطاقة بأسعار معقولة.

ليس من الواضح كيف ستؤمّن اليابان مصدرًا ثابتًا للطاقة بعد التوقف عن استعمال الطاقة الحرارية الفحمية. لأكثر من سبع سنوات، استمرت إدارة آبي في التركيز على الطاقة النووية وبحثت احتمالات إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية لتهدئة المخاوف من حدوث نقص في إمدادات الطاقة الكهربائية من جراء التوقف عن استعمال الطاقة الحرارية الفحمية. لكن تكلفة إعادة تشغيل المحطات النووية بشكل آمن بما في ذلك تدابير مكافحة الأعمال الإرهابية قد ارتفعت، أضف إلى ذلك أيضًا صعوبة الحصول على موافقة من السلطات المحلية.

في السنة المالية 2018، شكلت الطاقة النووية 6% فقط من مجموع إمدادات الطاقة في اليابان. يتضح بشكل متزايد أنه سيكون من الصعب للغاية تحقيق هدف عام 2030 المتمثل في الخفض بنسبة 20% إلى 22% والذي تم تحديده في خطة الطاقة الاستراتيجية الحالية، بحيث يكون من الممكن تعويض الاختفاء التدريجي للفحم.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد البعض أن الاختفاء التدريجي الذي يركز فقط على طاقة الفحم غير الفعالة لن يكون كافياً لمحو سمعة اليابان بأنها دولة مدمنة على الفحم، ويحذر المسؤولون الحكوميون المشاركون في صياغة الإستراتيجية المتعلقة بالولايات المتحدة من أنه إذا أصبح بايدن هو الرئيس وعمل على التحول نحو سياسات الطاقة الخضراء، فقد تطلب الولايات المتحدة من اليابان إجراء معاملات مالية واستثمارات في مجال الطاقة المتجددة بهدف خفض الانبعاثات، وفي هذه الحالة لن تكون الخطة الحالية للتخلص من المحطات غير الفعالة كافية.

وفقاً للوضع على الساحة الدولية بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد تزداد أهمية الاستثمار والسياسات الرامية لدعم التوسع في مجال الطاقة المتجددة كأداة مساومة في العلاقات الدولية. بدأت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة METI التفكير في اتخاذ المزيد من التدابير الداعمة للطاقة المتجددة، مع استخدام طاقة الرياح البحرية كدعامة أساسية، وبالتوازي مع الإلغاء التدريجي للطاقة الفحمية.

تتجه كل الأنظار إلى الإدارة الجديدة لرئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي لمعرفة ما إذا كان بإمكانها تقديم خطط ملموسة لجعل الطاقة المتجددة المصدر الرئيسي للطاقة في إطار مراجعتها لخطة الطاقة الاستراتيجية والتي تتطلب قبول حقيقة أن اليابان غير قادرة على إعادة تشغيل مفاعلاتها النووية. يعتقد أحد كبار المديرين في واحدة من الشركات المصنعة الكبرى وله باع في الشؤون المالية أن تحقيق إنجاز ملموس في هذا الشأن مرهون بإصدار قرارات سياسية داعمة.

ليس هناك شك في أن مداولات مجموعة العمل الحالية حول الطاقة الحرارية الفحمية في اليابان، إلى جانب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، سيكون لهما تأثير كبير على سياسة الطاقة المستقبلية في اليابان.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: محطة ناكوسو للطاقة الحرارية التابعة لشركة Jōban Joint Power في إيواكي، فوكوشيما، وتتلقى تمويلاً جزئياً من شركة طوكيو للطاقة الكهربائية TEPCO. تعمل على استخدام أحدث تقنيات الدورة المركبة المتكاملة لتحويل الفحم إلى غاز. الصورة من جيجي برس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق