أخبارمجتمع

لماذا تعيد اليابان التفكير مطولًا قبل تنفيذ عقوبة الإعدام؟

على مدار سنتين ونصف، لم تشهد اليابان تنفيذ أي عقوبة إعدام، وهي فترة انقطاع تُعتبر الأطول من نوعها في القرن الحالي. كانت آخر عملية إعدام بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2022، حين أُعدم كاتو توموهيرو، الذي ارتكب جريمة الطعن المروعة في أكيهابارا بطوكيو عام 2008، ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة عشرة آخرين.

تاريخيًا، شهدت اليابان فترات توقف عن تنفيذ عقوبة الإعدام خلال أحداث استثنائية، مثل زلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011 أو العام الأول لجائحة كورونا في عام 2020. ولكن هذه هي المرة الأولى منذ بداية القرن الحالي التي تمر فيها البلاد بفترة عامين تقويميّين متتاليين دون تنفيذ أي حكم بالإعدام.

ورغم أن عقوبة الإعدام لا تزال تحظى بدعم شعبي واسع في اليابان، إلا أن هذا الانقطاع أثار نقاشات جديدة حول مستقبل العقوبة في النظام القضائي الياباني. تأتي هذه النقاشات في ظل انتقادات دولية من منظمات حقوق الإنسان، التي تدعو اليابان إلى إعادة النظر في نظام عقوبة الإعدام، والانضمام إلى الدول التي أوقفتها أو ألغتها تمامًا. يُذكر أن السجون اليابانية تضم العشرات من المحكوم عليهم بالإعدام، حيث يقضون فترات طويلة في انتظار تنفيذ العقوبة، وهو ما يُثير تساؤلات إضافية حول العدالة وتأثير الانتظار الطويل على السجناء وأسر الضحايا.

عدد عمليات الإعدام السنوية في اليابان منذ عام 2000

ينص قانون الإجراءات الجنائية الياباني على ضرورة تنفيذ عقوبة الإعدام في غضون ستة أشهر من صدور الحكم، ولكن الواقع يُظهر أن هذا البند نادرًا ما يُطبق. من عام 2000 وحتى 26 يوليو/ تموز 2022، تم تنفيذ 98 حكمًا بالإعدام، حيث تراوحت الفترات بين صدور الحكم وتنفيذه من سنة واحدة إلى 19 عامًا و5 أشهر. ورغم أن وزارة العدل لا تُوضح معايير اتخاذ قرارات الإعدام، إلا أن سياسات الإعلان عن هذه العمليات شهدت تغيرًا ملحوظًا بمرور الوقت.

حتى أكتوبر/ تشرين الأول 1998، كانت سياسة وزارة العدل هي الامتناع عن الإعلان العلني عن تنفيذ الإعدامات، ولكن وزير العدل آنذاك، ناكامورا شوزابورو، قرر الإفصاح عن عدد الأشخاص الذين يتم إعدامهم. وفي عام 2007، وسّع وزير العدل هاتوياما كونيو نطاق الشفافية ليشمل الكشف عن أسماء المحكوم عليهم ومواقع الإعدام.

تعكس القرارات المتعلقة بتنفيذ الإعدامات في اليابان بشكل كبير توجهات وزير العدل في ذلك الوقت. فعلى سبيل المثال، أعلن الوزير سوغيورا سيكين عند توليه المنصب في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 أنه لن يوقع على أي أمر إعدام لأسباب دينية وفلسفية. وعلى الرغم من تراجعه لاحقًا عن هذا التصريح تحت ضغط الانتقادات، فإنه لم يُنفذ أي إعدام خلال فترة ولايته التي استمرت 11 شهرًا. وعلى النقيض، هناك وزراء عدل وقعوا أوامر الإعدام بوتيرة منتظمة تصل إلى إصدار أوامر كل بضعة أشهر.

في الفترة من سبتمبر 2009 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2012، خلال إدارة الحزب الديمقراطي الياباني، تم تنفيذ تسع عمليات إعدام فقط، حيث أظهر وزراء العدل في الحزب ترددًا واضحًا في تنفيذ العقوبة. وزيرة العدل تشيبا كيكو، التي عارضت عقوبة الإعدام في البداية، وقّعت على أمر إعدام اثنين من السجناء في يوليو/ تموز 2010، كما شهدت تنفيذ الإعدام بنفسها، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها وزيرة عدل يابانية بهذا الأمر. سعت تشيبا إلى استخدام هذا الحدث لإثارة نقاش وطني حول مستقبل عقوبة الإعدام في اليابان، وشكلت مجموعة دراسية داخل الوزارة للنظر في جدوى استمرارها. وفي خطوة غير مسبوقة، فتحت تشيبا غرفة الإعدام في مركز الاحتجاز بطوكيو أمام وسائل الإعلام، كما سمحت بزيارة الغرفة التي تُخصص للسجناء للقاء ممثليهم الدينيين.

هذا التباين الكبير في نهج الوزراء يعكس الخلافات العميقة داخل المجتمع الياباني بشأن عقوبة الإعدام. وبينما لا تزال العقوبة تتمتع بدعم شعبي كبير، تتزايد الدعوات الدولية والمحلية لإعادة النظر فيها، في ضوء القضايا الأخلاقية وتأثيرها النفسي على كل من السجناء وعائلات الضحايا.

شهدت اليابان خلال السنوات الأخيرة تطورًا في النقاشات حول عقوبة الإعدام، حيث تبرز قضايا مثيرة للجدل وتسليط الضوء على طبيعة هذا العقاب وتأثيره على السجناء والمجتمع ككل.

في يناير/ كانون الثاني 2011، أثار وزير العدل في حكومة الحزب الديمقراطي الياباني، إيدا ساتسوكي، جدلاً واسعًا حين وصف عقوبة الإعدام بأنها ”عقوبة معيبة“. ورغم تراجعه لاحقًا عن هذا التصريح، فإنه امتنع عن توقيع أي أوامر إعدام خلال فترة ولايته، مشيرًا إلى أن مجموعة الدراسة التي أنشأتها سلفه، تشيبا كيكو، كانت لا تزال تعمل على بحث القضية. ونتيجة لذلك، لم تُنفَّذ أي عمليات إعدام في ذلك العام. ورغم استمرار اجتماعات المجموعة تحت قيادة وزير العدل التالي، إلا أنها توقفت في مارس/ آذار 2012 دون تقديم استنتاجات حاسمة، مكتفية بتوثيق وجهات النظر المتباينة بشأن عقوبة الإعدام.

مع إدخال نظام المحاكمة بواسطة هيئة المحلفين في عام 2009، أصبح المواطنون اليابانيون مشاركين في اتخاذ قرارات الإعدام، مما أضاف بُعدًا جديدًا للنقاش حول هذه العقوبة. ومع ذلك، تزايدت الانتقادات الداخلية والدولية في عام 2017، حين تم تنفيذ سلسلة من عمليات الإعدام بحق سجناء كانوا يطالبون بإعادة المحاكمة، وكذلك في عام 2018 عندما أُعدم 13 سجينًا من طائفة أوم شينريكيو في فترة قصيرة، مما أثار قلقًا واسعًا حول الإجراءات القانونية والإنسانية المرتبطة بالعقوبة.

من بين القضايا التي أثارت اهتمامًا عالميًا كانت قضية هاكاماتا إيواو، الذي حُكم عليه بالإعدام في عام 1980 بتهمة قتل أربعة أشخاص في 1966. وعلى مدى عقود، أصر هاكاماتا على براءته، حتى أفرجت عنه محكمة محافظة شيزوؤكا في 2014 ومنحته إعادة المحاكمة. في سبتمبر/ أيلول 2024، برأت المحكمة هاكاماتا بعد أن كشفت التحقيقات أن الأدلة ضده قد فُبركت. جاءت هذه البراءة بعد 58 عامًا من اعتقاله و44 عامًا من الحكم عليه بالإعدام. ومع ذلك، يعاني هاكاماتا حتى الآن من صعوبات في التواصل مع الآخرين نتيجة سنوات السجن الطويلة تحت وطأة الإعدام المعلق.

أثارت هذه القضية دعوات لإعادة النظر في عقوبة الإعدام في اليابان، حيث أصدرت لجنة في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تضم مشرعين بارزين ومدعين عامين سابقين، بيانًا يدعو إلى وقف تنفيذ الإعدامات حتى يتم إجراء إصلاحات جذرية للنظام. دعت اللجنة إلى مراجعة شاملة لنظام العدالة الجنائية، مع التأكيد على أهمية ضمان حقوق الإنسان ومنع الأخطاء القضائية.

حتى نهاية عام 2024، بلغ عدد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في اليابان 106 سجناء. هذا الرقم يعكس استمرار العقوبة رغم الجدل المتزايد حولها. ومع بقاء اليابان واحدة من الدول القليلة المتقدمة التي تطبق عقوبة الإعدام، تستمر النقاشات حول مستقبل هذا النظام وعلاقته بالقيم الإنسانية والعدالة الجنائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق