أخبارالرياضة

عالم الرياضة يتحرك ضد الإساءات الرقمية: كيف يكافح الرياضيون الوجه المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي؟

سيل من التعليقات المُسيئة

خلال دورة الألعاب الأولمبية 2024، أثارت تصريحات مؤثرة للرياضية اليابانية ”ياناي أياني“ حول الإساءة التي تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعي اهتمامًا واسعًا. ياناي، التي كانت تستعد لخوض سباق المشي لمسافة 20 كيلومترًا، تراجعت عن المشاركة للتركيز على سباق التتابع المختلط، مما أدى إلى تعرضها لموجة من الانتقادات اللاذعة. كتبت ياناي على حسابها أنها تتألم من التعليقات السلبية، قائلة: ”نحن الرياضيين نستمد قوتنا من الدعم وليس الانتقاد. النقد يؤذينا كرياضيين، وأتمنى أن يقل مثل هذا السلوك ولو بشكل بسيط“.

لم تقتصر الإساءات على ياناي وحدها، فقد طالت أيضًا لاعبة الجودو ”آبي أوتا“ بعد خروجها من المنافسة، حيث وُجهت إليها انتقادات قاسية عقب بكائها بعد خسارتها. كما استهدفت التعليقات فريق الكرة الطائرة للرجال الذي خسر في مباراته أمام إيطاليا بعد أدائه القوي واقترابه من الفوز.

أثارت هذه الأحداث نقاشًا حول تأثير النقد العلني السلبي على معنويات الرياضيين، إذ علق العديد من المهتمين بضرورة تعزيز الوعي بأهمية الدعم والتشجيع، وخاصة أثناء الأوقات الصعبة، لتحقيق بيئة رياضية إيجابية تساعد اللاعبين على تقديم أفضل ما لديهم.

 فريق الكرة الطائرة الياباني للرجال وطاقمه الفني يلتقطون صورة تذكارية بعد مباراة ربع النهائي. (© جيجي)
فريق الكرة الطائرة الياباني للرجال وطاقمه الفني يلتقطون صورة تذكارية بعد مباراة ربع النهائي. (© جيجي)

موجة عالمية من النقد والتنمر

كما شهدت دورة الألعاب الأولمبية في باريس جدلًا حول بطلتي الملاكمة ”لين يو تينغ“ من تايوان و”إيمان خليف“ من الجزائر، بعد تعرضهما لتشهير واسع النطاق بشأن هويتيهما الجنسية. ففي العام الماضي، حُرمت اللاعبتان من المشاركة في بطولة العالم بسبب ”فشلهما في اجتياز اختبار الأهلية الجنسية“ وفقًا لرابطة الملاكمة الدولية، التي لم تُفصح عن تفاصيل الاختبار. يُذكر أن هذه الرابطة لم تعد معترفًا بها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية أو اتحاد الملاكمة الأمريكي، مما سمح للجنة الأولمبية الدولية هذا العام بالسماح لهما بالمنافسة بناءً على جنسهن المدرج في جوازات السفر.

واندلع الجدل مرة أخرى عندما انسحبت منافسة الملاكمة الجزائرية إيمان الإيطالية بعد تلقيها لكمة قوية بعد 46 ثانية من بداية المباراة. ورغم إشاعات عن امتلاكها كروموسومات ذكرية، صرحت خليف بعد فوزها بالميدالية الذهبية: ”وُلدت وتربيت وتنافست كامرأة، ولا مجال للشك في ذلك“. وأدانت خليف الهجمات القاسية التي تلقتها عبر الإنترنت، مؤكدة أنها تأمل أن تتوقف الإساءات وأن يُحترم الرياضيون في المنافسات المستقبلية.

ازدادت المسألة تعقيدًا بعد تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي انتقدت مشاركة الرياضيات الحاملات لكروموسومات ذكورية في الرياضات النسائية. وتجدد النقاش حول سياسات الهوية الجنسية في الرياضة، مع مطالبات بحماية الرياضيين من التشهير والتشكيك غير المستندين على أسس واضحة.

وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الأولمبية

على الرغم من أن التقاطع بين الألعاب الأولمبية ووسائل التواصل الاجتماعي حديث العهد، إلا أنه أضاف بُعدًا جديدًا للتواصل بين الرياضيين والجماهير حول العالم. بدأت اللجنة الأولمبية الدولية في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لجعل الألعاب أكثر قربًا من المتابعين، حيث شجعت الرياضيين على مشاركة تجربتهم مع الجمهور خلال دورة الألعاب الأولمبية 2012 في لندن، التي عُرفت بـ ”أولمبياد وسائل التواصل الاجتماعي“. وخصصت اللجنة منصة ”مركز الرياضيين الأولمبيين“ لتجميع حسابات الرياضيين على وسائل التواصل، ما سهل على الجماهير متابعة أبطالهم المفضلين.

وفي أولمبياد طوكيو 2021، الذي أقيم بدون جمهور بسبب جائحة فيروس كورونا، أصبحت وسائل التواصل أداة أساسية لنقل أجواء الألعاب، حيث شارك الرياضيون لحظاتهم اليومية في القرية الأولمبية، ما أتاح للعالم نافذة فريدة لمشاهدة ما يجري خلف الكواليس.

لكن مع زيادة استخدام هذه المنصات، بدأت تظهر تحديات جديدة، منها إساءة معاملة الرياضيين عبر الإنترنت. فقد أدت التعليقات السلبية والهجمات الإلكترونية إلى التأثير سلبًا على الصحة النفسية للعديد من الرياضيين، الأمر الذي أثار نقاشات حول ضرورة حماية الرياضيين وتعزيز الوعي حول التأثيرات السلبية للإساءة الإلكترونية في منصات التواصل الاجتماعي.

الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية على خط المواجهة

اتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) خطوة استباقية في التصدي للإساءات على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه اللاعبين، قبل أن تتبنى اللجنة الأولمبية الدولية تدابير مشابهة. حيث قام فيفا، بالشراكة مع اتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين (فيفبرو)، بتطوير ”خدمة حماية وسائل التواصل الاجتماعي“ قبل كأس العالم 2022 في قطر. وتقوم هذه الخدمة تلقائيًا بالكشف عن المنشورات المسيئة وإخفائها، مما يتيح الحماية للاعبين من التعليقات السلبية. وقد تمت إتاحة الخدمة لـ 211 اتحادًا حول العالم، حيث يُدرك أن الحماسة الوطنية تجاه فرق كرة القدم قد تتحول أحيانًا إلى ”قومية كروية“ تحمل انتقادات قاسية للاعبين والمدربين، خاصة بعد المباريات التي لا تحقق تطلعات الجماهير. ووفقًا لفيفا، تم إخفاء نحو 2.6 مليون منشور مسيء خلال البطولة، بينما علّقت بعض المنصات حسابات أصحاب التعليقات المسيئة.

ومؤخرًا، بدأت اللجنة الأولمبية الدولية بإجراءات مشابهة استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية في باريس، من خلال التعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لتطوير نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي، والذي يعمل على تحليل المنشورات وحذف تلك التي تتعارض مع القواعد أو القوانين بشكل فوري، مما يتيح بيئة أكثر أمانًا ودعمًا للرياضيين خلال مشاركتهم الأولمبية.

في مؤتمر صحفي عقد قبيل انطلاق الألعاب، صرح رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ بأن المنظمة تتوقع نشر نحو 500 مليون منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة المنافسات. وأشار إلى أن نظام الذكاء الاصطناعي سيتولى مراقبة طيف واسع من المنشورات التي تستهدف نحو 15 ألف رياضي ومسؤول، بحيث يتم حذف أي محتوى مؤذٍ بشكل تلقائي.

وبعد ختام الألعاب، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أن النظام قد رصد أكثر من 8,500 منشور مسيء على مدار البطولة، وهو عدد أقل بكثير من الرقم الذي أبلغ عنه الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال كأس العالم. وبرغم هذا الانخفاض، أعرب بعض الرياضيين عن استيائهم المستمر من الإساءات الإلكترونية، مما يشير إلى الحاجة لتحسين دقة وكفاءة النظام في المنافسات المقبلة.

قانون منصة توزيع المعلومات في اليابان

مع تزايد عدد المنشورات المسيئة الموجهة إلى الرياضيين، أصدرت اللجنة الأولمبية اليابانية بيانًا غير مسبوق خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس. في هذا البيان، أشارت اللجنة إلى أن ”بغض النظر عن مدى استعداد الرياضيين، تحدث الكثير من الأمور غير المتوقعة أثناء المنافسات. في ظل ذلك، يتقبل الرياضيون هذه العوامل ويبذلون قصارى جهدهم لتقديم أفضل أداء لديهم“. وطلبت اللجنة من جميع المشجعين أن يفكروا في الرحلة التي قطعها الرياضيون للوصول إلى هذه المرحلة، مع التأكيد على أهمية تقديم الدعم لهم.

على الرغم من نبرة البيان المعتدلة، فقد تضمن تحذيرًا صارمًا، حيث أكد أن ”لن نتسامح مع السلوك المتطرف، مثل الإهانات أو التهديدات، وقد نفكر في الإبلاغ عنه للشرطة أو اتخاذ أي إجراء قانوني“. وهذا يشير إلى احتمال اتخاذ إجراءات قانونية في المستقبل ضد الإساءات.

في مايو/ أيار 2024، أقر البرلمان الياباني تعديلًا جزئيًا لقانون ”تحديد مسؤولية مشغلي الخدمات“، والذي يُعرف باسم ”قانون منصة توزيع المعلومات“. يتطلب هذا القانون من مشغلي المنصات الكبيرة تسريع استجابتهم وجعل وضعهم التشغيلي شفافًا عند تلقيهم طلبات لحذف المنشورات المسيئة. يمكن أن يؤدي انتهاك هذا القانون إلى إصدار أوامر تصحيحية من وزارة الداخلية والاتصالات، مع فرض غرامات قد تتجاوز 100 مليون ين.

بالطبع، يثير تنظيم المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تساؤلات حول حرية التعبير. ومع ذلك، يجب أن نتعامل بحزم مع المنشورات التي تضر أو تؤذي الآخرين، واعتبارها خطاب كراهية. لضمان نجاح مثل هذا القانون، من الضروري وجود علاقة تعاونية بين عالم الرياضة والشركات التي تتحمل مسؤولية حماية الرياضيين. كما يجب إنشاء نقاط تواصل فعالة واتخاذ تدابير لمعالجة القضايا المتعلقة بالصحة النفسية. في المستقبل، ينبغي أن تبقى قضايا الإساءات على وسائل التواصل الاجتماعي في مقدمة أولوياتنا.

المصدر / اليابان بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق