فرار الناس إلى مراكز الإيواء
لقد دخلت إلى قطاع غزة في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب قادمًا من العاصمة الأردنية عمان، حيث يقع المقر الرئيسي للأونروا. وهذه هي المرة الثالثة التي أدخل فيها إلى غزة منذ بدء القتال، وما زال الوضع يزداد سوءًا. وتمثل ما تسمى بالمنطقة الإنسانية، والتي لم تتلق مطلقًا أي تحذير بالإخلاء من الجانب الإسرائيلي، أقل من 10% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وقد هرع إليها العديد من سكان جنوب قطاع غزة والبالغ عددهم 1.8 مليون نسمة. وكانت هناك الكثير من الخيام المنصوبة على الشواطئ الرملية على طول الساحل بحيث لا توجد فجوات بينها.
وفقًا لمديرية الصحية في غزة، استشهد 40,435 شخصًا في غزة منذ بداية القتال وحتى السادس والعشرين من شهر أغسطس/آب من عام 2024. وتُقدِّر الأونروا عدد النازحين بنحو 1.9 مليون شخص، وهو ما يمثل 90% من سكان غزة.
وفي المتوسط، لدى مراكز إيواء الأونروا مرحاض واحد لكل 470 شخصًا، وحمام استحمام واحد لكل 2,700 شخص، الأمر الذي وصل بمراكز الإيواء إلى نقطة لا يمكن لها استيعاب المزيد من الأشخاص. وتُستخدم المدارس في المقام الأول كمراكز إيواء، ولكن يُسمح للنساء والأطفال فقط بالنوم في الفصول الدراسية، بينما يعيش الرجال في خيام قريبة.
والبنية التحتية لا تؤدي وظيفتها في الأساس، وقد تسبب تدفق الناس في نقص الإمدادات وتدهور الظروف الصحية، مما ترك الناس متعبين ويشعرون باليأس بشأن المستقبل.
إمدادات الأدوية في أدنى مستوياتها، والظروف الصحية تزداد سوءًا
كما أثرت الهجمات على إدارة منشآت الأونروا. وحتى نهاية شهر أغسطس/آب، لم يكن هناك سوى خمسة مراكز صحية تديرها الأونروا في غزة تعمل من أصل 22 مركزًا. ومنذ بدء القتال، قامت الأونروا بافتتاح أربع عيادات جديدة، وأنشأت 54 عيادة مؤقتة في مراكز الإيواء. وهناك العديد من المنظمات الطبية غير الحكومية من مختلف البلدان في غزة، ولكن الأونروا هي أكبر منظمة تقوم بتقديم الإسعافات الأولية. وعلى الرغم من أنها تمكنت من تأمين عدد معين من أطباء الإسعافات الأولية، إلا أن هناك نقصًا في الأطباء المتخصصين الذين تم إجلاؤهم إلى خارج غزة.
الوضع الإنساني في غزة
النازحون | 1.9 مليون شخص (90% من السكان) |
مراكز الأونروا الصحية | 5 منشآت من أصل 22 منشأة قيد التشغيل |
الغذاء | 2.1 مليون شخص يعانون من نقص الغذاء |
التعليم | أكثر من 600 ألف طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدارس |
*بتاريخ نهاية شهر أغسطس/آب 2024
تم إعداد البيانات بواسطة Nippon.com بناءً على بيانات بواسطة الأونروا وغيرها.
تأسست الأونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تم تبنيه في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 1949 بعد حرب النكبة لتقديم الإغاثة للاجئين الفلسطينيين، وبدأت عملياتها في شهر مايو/أيار من عام 1950. وهي تواصل تقديم دعم طويل الأمد لمجموعة واحدة من اللاجئين، وهم اللاجئون الفلسطينيون، مما يجعلها منظمة فريدة من نوعها داخل الأمم المتحدة. وتغطي أنشطتها مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك التعليم والرعاية الطبية والصحية، وتطوير البنية التحتية لمخيمات اللاجئين. واستشهد أكثر من مئتي موظف من موظفيها في القتال الدائر منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
والأمر الخطير هو نفاد الإمدادات الطبية. فعندما اجتاح الجيش الإسرائيلي مدينة رفح التي تقع جنوب قطاع غزة في شهر مايو/أيار، كان لا بد من إجلاء موظفينا من هناك، وقد تعرضت مستودعات الأدوية الكبيرة التابعة للأونروا للنهب من قبل الحشود. وكانت هناك أدوية بقيمة أربعة ملايين دولار، وقد تم الاستيلاء على نصفها تقريبًا. ونظرًا للقيود التي تفرضها إسرائيل على إدخال الإمدادات والأضرار التي تسببها جماعات النهب المنظمة، فإنه لم تتوفر منذ ذلك الحين سوى حمولة شاحنة واحدة من الإمدادات الطبية. وستنفد تلك الإمدادات الطبية خلال شهر واحد فقط.
في شهر أغسطس/آب، تم التأكد من إصابة طفل رضيع في غزة لم يتلقَ أي لقاح بمرض شلل الأطفال. وهذه أول حالة للإصابة بمرض شلل الأطفال في غزة منذ 25 عامًا. وفي الأول من شهر سبتمبر/أيلول، بدأت الأمم المتحدة بتطعيم الأطفال لمنع انتشار العدوى، ونشرت الأونروا على موقع ”إكس (تويتر سابقًا)“ تغريدة تقول فيها ”يجب علينا أن نفعل كل ما هو ممكن لإنقاذ الأطفال“.
ومع توقف شبكات المياه والصرف الصحي عن العمل، كانت هناك مخاوف بشأن انتشار عدوى فيروس شلل الأطفال، الذي ينتشر عن طريق البراز البشري. كما تساهم الظروف الصحية السيئة، بما في ذلك تلوث المياه الجوفية بالفضلات البشرية، والنقص التام في المنتجات الصحية مثل الصابون والشامبو، في انتشار الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد (أ) والإسهال.
انهيار أسس المجتمع بسبب ”كوارث من صنع الإنسان“
إن غزة ليست أرضًا غنية على الإطلاق. ولكن قبل بدء الحرب، كان سكانها يعيشون بهدوء ولم يكن الوضع سيئًا. وكما هو الحال في ريف اليابان، كان هناك نسيج اجتماعي يساعد فيه الناس بعضهم البعض، ويدعمون بعضهم البعض في أوقات الشدة، ولكنه انهار مع اضطرار الناس إلى النزوح بشكل متكرر. ولم يسبق لي أن رأيت شخصًا بلا مأوى في غزة قبل الحرب.
وهذا كله فشل للسياسات الدولية، والأمم المتحدة غير قادرة على أداء وظيفتها في ظل تغير المصالح الدولية. إن ذلك كله ”كارثة من صنع الإنسان“. وهناك الكثير من الإمدادات في البلدان المجاورة، لكنه لا يمكننا الحصول عليها هنا. وينبغي أن يكون من الممكن حل هذه المشكلة من خلال السياسة، ولكن لا يمكن القيام بذلك. إن ”ظلم العالم“ يتركز هنا.
وفقًا للأمم المتحدة، هناك ما يُقدَّر بنحو 2.1 مليون شخص في غزة يحتاجون إلى مساعدات غذائية، ولكن حتى شهر يوليو/تموز لم يتلقَّ المساعدة سوى 1.1 مليون شخص فقط.
ونحن في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، نواصل العمل الجاد، ولكننا غير قادرين على مواكبة الوضع المتدهور بسرعة، وأشعر بالإحباط من ذلك. وقد بدأ سكان غزة يشعرون بأن ”المجتمع الدولي قد تخلى عنهم“، وهم يعيشون في ظل ظروف حرجة للغاية.
ولن أنسى ما قاله لي أحد الأصدقاء بعد نزوحه من رفح عندما قال ”متى سيعاملنا المجتمع الدولي كبشر؟“.
ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال أيضًا، سنستمر في تقديم الدعم لهم دون استسلام. وآمل ألا تغض شعوب العالم أبصارها عن هذا الظلم.
المصدر / اليابان بالعربي