أخبارسياسة وعلاقات دولية
ما هي الطرق الملتوية التي تتبعها كوريا الشمالية للالتفاف على عقوبات مجلس الأمن وكيف يمكن ردعها؟
مجلس الأمن يقف بالمرصاد لكوريا الشمالية
في أكتوبر/تشرين الأول 2006، وفي أعقاب أول تجربة نووية أجرتها كوريا الشمالية، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 1718، الذي يقضي بفرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية. وتم إنشاء لجنة تابعة لمجلس الأمن للإشراف على تنفيذ العقوبات، وفي عام 2009 تم إنشاء فريق من الخبراء لمساعدة لجنة العقوبات في تنفيذ مهمتها. وتتألف اللجنة، التي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها، من ثمانية متخصصين في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك التكنولوجيا النووية والصاروخية، التمويل، والجمارك، وقد تم تعيينهم جميعاً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.
بين أكتوبر/تشرين الأول 2006 وديسمبر/كانون الأول 2017، رد مجلس الأمن على التجارب النووية التي تجريها كوريا الشمالية وإطلاقها للصواريخ بحزمة مكونة من 11 قراراً بفرض عقوبات ملموسة تشمل السفر والأصول المالية والمعاملات المصرفية والتجارة والنقل.
منذ عام 2009، قامت لجنة الخبراء برصد قيام كوريا الشمالية بانتهاك هذه العقوبات والتهرب منها بناءً على ما تم جمعه من معلومات من الدول الأعضاء ووسائل الإعلام والمنظمات البحثية، مدعومة بتحقيقاتها ومقابلاتها الميدانية. وقد لعبت لجنة الخبراء دوراً محورياً إذ أصبحت عيون وآذان لجنة العقوبات، نظراً لما تقدمه من دعم حاسم من خلال تقاريرها السنوية المؤقتة والنهائية المقدمة إلى مجلس الأمن ومقترحاتها وتوصياتها لتعزيز التنفيذ. ومنذ البداية، كان لا بد من تجديد ولاية اللجنة كل 12 شهراً، ولكن حتى هذا العام، كان مجلس الأمن يوافق بالإجماع على تمديد ولاية اللجنة في شهر مارس/آذار من كل عام، بعد تلقي تقريرها النهائي.
الصفقات غير المشروعة بين موسكو وبيونغ يانغ
في مارس/آذار الماضي، أخبر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا مجلس الأمن أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية قد ”تغير بشكل جذري“، وأن روسيا ستعارض تمديد تفويض اللجنة ما لم تخضع العقوبات ذاتها لمراجعة جوهرية. ومع تأخر التصويت النهائي، بذلت اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة جهداً ضخماً لتغيير النتيجة، ولكن دون جدوى. ففي 28 مارس/آذار، عندما طُرح القرار للتصويت في المجلس المؤلف من 15 عضوا، صوت 13 عضواً لصالحه، وامتنعت الصين عن التصويت، بينما صوتت روسيا ضد القرار، مستخدمة حق النقض (الفيتو) كعضو دائم. ومع عدم إظهار موسكو أي نية للتراجع عن موقفها، فمن المفترض أن يتم حل اللجنة اعتباراً من 30 أبريل/ نيسان، وهو تاريخ انتهاء ولايتها الحالية.
وفي تقييم دوافع استخدام روسيا حق النقض، من الصعب أن نتجاهل النمو السريع في التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية منذ شنّت الأولى حربها على أوكرانيا. ففي سبتمبر/ أيلول 2023، سافر رئيس حزب العمال الكوري كيم جونغ أون إلى الشرق الأقصى الروسي لعقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة فستوتشني الفضائية، وهو ميناء فضائي روسي. وذكرت التقارير أن الزعيمين ناقشا اتفاقاً سرياً يقضي بأن تقوم كوريا الشمالية بتزويد روسيا بالصواريخ وقذائف المدفعية والأسلحة الأخرى التي تحتاجها لمواصلة حربها ضد أوكرانيا.
بالطبع نفت موسكو وبيونغ يانغ أي تعاون بينهما من هذا القبيل، لكونه يشكل انتهاكا صارخا لعقوبات مجلس الأمن. لكن في يناير/كانون الثاني من هذا العام، ذكرت واشنطن، نقلاً عن بيانات الأقمار الصناعية وأدلة أخرى، أن كوريا الشمالية زودت روسيا بعشرات الصواريخ الباليستية ومنصات الإطلاق. وفي الشهر التالي، صرّح وزير الدفاع الوطني لكوريا الجنوبية شين وون سيك لوسائل الإعلام أنه منذ يوليو/ تموز 2023، زوّدت كوريا الشمالية روسيا بما يقرب من 7000 حاوية من الأسلحة والذخيرة والتي من المحتمل أن تمثل أكثر من 3 ملايين طلقة من قذائف عيار 152 ملم أو 500 ألف طلقة من قذائف عيار 122 ملم لدعم روسيا في حربها على أوكرانيا. (*١)
وفي اجتماع مجلس الأمن المنعقد في 28 مارس/آذار، انتقد عدد من المتحدثين حق النقض الذي استخدمته روسيا في ضوء هذه المعلومات. ووصف سفير اليابان لدى الأمم المتحدة يامازاكي كازويوكي بأنه ”من غير المسؤول والمخزي“ أن تهاجم روسيا أوكرانيا باستخدام ذخائر اشترتها من كوريا الشمالية في انتهاك لقرارات المجلس.
روسيا عازمة على زعزعة الاستقرار في شمال شرق آسيا
وكانت المراقبة التي قامت بها لجنة الخبراء مفيدة في الكشف عن مجموعة واسعة من الأنشطة غير القانونية التي تدعم البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. وقد سلطت تقاريرها السنوية الضوء مراراً وتكراراً على عمليات نقل تتم من سفينة إلى أخرى تتمكن من خلالها السفن الكورية الشمالية ومهربون من أجزاء أخرى من آسيا من الإتجار بشكل غير مشروع في المنتجات النفطية والمخدرات والأسلحة وغيرها من السلع المهربة أثناء وجودها في البحر. وفي عام 2021، أدى أحد هذه التقارير إلى قيام الولايات المتحدة بمصادرة ناقلة نفط كانت ترفع علم سنغافورة وتُستخدم لتسليم المنتجات البترولية بشكل غير مشروع إلى كوريا الشمالية. (*٢)
وفي التقرير النهائي الذي أصدره مجلس الأمن في 20 مارس/ آذار من هذا العام، قدرت اللجنة أن كوريا الشمالية حصلت على حوالي نصف عائداتها من العملات الأجنبية من الهجمات السيبرانية. وأضافت أنه منذ عام 2017، سرق قراصنة كوريا الشمالية حوالي 3 مليارات دولار من الأصول المشفرة، استخدمتها بيونغ يانغ لتطوير ترسانتها من الأسلحة النووية والصاروخية. كما قالت اللجنة أيضًا إنها تحقق في مزاعم بأن كوريا الشمالية زوّدت روسيا بأكثر من 1000 حاوية من المعدات العسكرية. (*٣) ولا شك أن كل ما سبق كان هو السبب الحقيقي وراء حق النقض الذي استخدمته روسيا ضد قرار تمديد عمل اللجنة.
سيكون هذا هو التقرير الأخير الذي تقدمه لجنة الخبراء لأنها ستتوقف عن العمل بعد نهاية أبريل/ نيسان. ويشعر المتخصصون في هذا المجال بقلق عميق إزاء تأثير ذلك على تنفيذ العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وعلى جهود منع الانتشار النووي بشكل عام. وكما أوضح هيو غريفيث، الذي عمل سابقا كمنسق للجنة الخبراء، فإن إحدى الوظائف الرئيسية للجنة كانت توفير معلومات عن الشركات والأفراد الذين ينتهكون العقوبات المالية المفروضة على كوريا الشمالية أو يدعمون الانتشار غير المشروع للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وقال: ”بدون التقارير نصف السنوية للجنة، أصبحت البنوك وشركات التأمين العالمية الآن تفتقر إلى تقارير المعيار الذهبي التي استخدمتها ذات يوم لمنع الشبكات غير المشروعة من الوصول إلى النظام المالي العالمي“. (*٤)
إن الحرب العدوانية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا تشكل انتهاكاً فاضحاً لنظام السلام الأوروبي. والآن، وبموافقة ضمنية من الصين، انتشر التخريب الروسي للنظام القانوني الدولي من أوروبا إلى شمال شرق آسيا.