أخبار
تعرف على كيفية صنع المراوح اليابانية التقليدية
نسمة من هواء نقي
مع حلول الصيف الحار والرطب، يتجه الناس إلى وسائل تقليدية بسيطة للتغلب على الحرارة، مستفيدين من حكمة الأجيال السابقة في استخدام موارد طبيعية لتوفير الراحة. في اليابان، تتميز هذه الوسائل ببساطتها وفعاليتها، حيث يلجأ الناس إلى ارتداء ملابس فضفاضة وخفيفة مصنوعة من القطن أو القنب، التي توفر تهوية جيدة وتمتص العرق، بالإضافة إلى استخدام قبعات القش للحماية من أشعة الشمس المباشرة.
كما يعد استخدام المراوح اليدوية وأجراس الرياح جزءًا من التقاليد الصيفية، حيث توفر المراوح تياراً من الهواء البارد بحركة بسيطة من اليد، بينما تضفي أجراس الرياح بأصواتها الناعمة إحساساً بالبرودة والاسترخاء. الجلوس في الخارج خلال الأمسيات الصيفية يتيح الاستمتاع بالنسمات اللطيفة، خاصة عندما تكون الستائر الصيفية مغلقة لحجب الحرارة الزائدة نهاراً.
تمثل هذه الطرق التقليدية لمواجهة الحرارة في اليابان ليس فقط استراتيجيات فعالة للتبريد، ولكنها أيضًا جزء من التراث الثقافي الذي يعزز الارتباط بالطبيعة ويذكر بأهمية البساطة والتواضع في الحياة اليومية. تعكس هذه العادات قيمًا تتجاوز مجرد الراحة الجسدية، مؤكدة على الانسجام مع البيئة وتقدير جمال اللحظات الصغيرة.
اعتدت عندما كنت طفلا أن أضع إحدى مراوح ”أوتشيوا“ اليدوية في وشاح زي اليوكاتا كلما ذهبت للمشاركة في رقصات أوبون أو لمشاهدة عروض الألعاب النارية التي تشير تقليديا إلى ذروة فصل الصيف. لم تكن المروحة أداة لإعطاء نسيم بارد فحسب، بل وكانت ضرورية أيضا لطرد الحشرات الموسمية. ولكني أتساءل أحيانا، هل هذه التقاليد لا زلت منتشرة بين الشباب اليوم؟
قد قررت هذا الصيف أن أدلل نفسي وأشتري مروحة أوتشيوا جديدة عليها صور ”سيسّون“. يتكون هذا النوع التقليدي من المراوح من مقبض وإطار من الخيزران يغطى بغلاف عريض على شكل مجداف من ورق الواشي مرسوم عليه بالحبر تصميمات تقليدية مرتبطة بالصيف مثل باذنجان وخيار وخيول وفزاعات . . . تكون المروحة اليدوية خفيفة الوزن وفعالة بشكل ملحوظ في توليد نسيم بارد. الكثير من الصور عبارة عن نسخ من لوحات سيسّون، وهو راهب وفنان من القرن السادس عشر عاش في هيتاتشي أوتا. ولا تزال هذه المراوح تُصنع يدويا كل على حدة في نفس المدينة في محافظة إيباراكي حتى يومنا هذا.
إبقاء التقاليد حية
يبدو المنزل الخشبي القديم الذي جئت لزيارته للوهلة الأولى وكأنه نصف مدفون تحت الغطاء النباتي المزدهر للحديقة المتضخمة. وتوجد خارج المنزل صفوف من إطارات خيزرانية متروكة لتجف تحت أشعة الشمس، والتي ستحول فيما بعد إلى مراوح.
تقول أكوتسو فوساكو ”نمنحها وقتا جيدا لتجف تحت أشعة الشمس. وهذا يساعد على حمايتها من التعفن. وتكون المراوح النهائية شبه عديمة الوزن!“. أمضت أكوتسو حياتها في هذا العمل العائلي، حيث تقوم بصنع مراوح أوتشيوا سيسّون. تبلغ أكوتسو من العمر 95 عاما، وهي الأخيرة في سلسلة طويلة من الحرفيين التقليديين.
المراوح مصنوعة من خيزران مقطوع من بستان قريب. والخيزران المحصود حديثا يُقطّع ويشكّل ليصبح إطارا على شكل مروحة. تُترك تلك الإطارات لتجف تحت أشعة الشمس لمدة 8 أشهر، قبل إضافة ورق الواشي.
”اعتدت الذهاب إلى الجبال مع ابني لقطع الخيزران حتى بلغت التسعين من عمري. وكان ذلك جزئيا لتعليمه النوع الصحيح من الخيزران الذي يجب قطعه“. وأصبحت أكوتسو الآن تثق فيما يبدو في قدرة ابنها على التعرف على الخيزران الطازج عالي الجودة الذي تحتاجه لعملها. وكل شيء آخر تنجزه بنفسها، بدءا من قطع الخيزران ولصق ورق الواشي وحتى اللمسات النهائية.
”كان جدي الأكبر هو من بدأ في صنع المراوح. أنا من الجيل الرابع. يعود تاريخ هذا المنزل وجميع الأدوات التي أستخدمها في عملي إلى عصر ميجي (1868-1912)“. شُيد المنزل في عام 1880، ولكنه متهالك قليلا حيث عاصر زلزالين كبيرين. الجو يفوح بعبق السنوات الماضية، وينقلك بعيدا إلى عالم من عصور سابقة. إنه شعور غريب مثل العودة إلى المنزل. لا يوجد مكيف هواء، لكن النسيم يسري في أرجاء المنزل، ما يبقيه باردا حتى في فصل الصيف. الأدوات الخشبية المستخدمة في صنع المراوح باتت لامعة بعد سنوات طويلة من الاستخدام.
الروتين اليومي
مع حلول الساعة التاسعة صباحا تقريبا، تضع أكوتسو إطارات الخيزران في الحديقة لتجف. ثم تُدخل إلى المنزل مرة أخرى حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر. وتكرر هذه العملية كل يوم في الفترة من ديسمبر/كانون الأول إلى أغسطس/آب التالي، إلا عند هطول الأمطار. تجفف أكوتسو على مدار العام نحو 1000 إطار بشكل طبيعي بهذه الطريقة.
”إنه عمل صعب للغاية. لكن بفضل هذا التمرين اليومي ما زالت قوية جدا. أعمل 366 يوما في السنة، حتى عندما لا تكون سنة كبيسة!“.
تكرس أكوتسو بسعادة الوقت والجهد لصنع المراوح بالطريقة التقليدية. الجزءان الأساسيان من العملية هما صنع إطارات الخيزران وإلصاق ورق الواشي. يُقطع الخيزران في فصل الشتاء. كما تُصنع الإطارات في الطقس البارد. أفضل أنواع الخيزران لهذه المهمة هي تلك السميكة والمستقيمة مع وجود مساحات واسعة بين عقدها. تبدأ أكوتسو في صنع إطارات المروحة بمجرد قطع الخيزران، قبل أن يجف (من الصعب قطع الخيزران الجاف بشكل جيد).
تُعرف العملية التي تتطلب أكبر قدر من المهارة باسم ”ها إيري (إدخال النصل)“ و ”هوني شيبوري (الإمساك بالخيزران المبلل)“. يتضمن ذلك عمل 40 ثلما أو نحو ذلك – يبلغ عرض كل منها أقل من 1 ملم – في الجزء العلوي من أسطوانة الخيزران بنصل حاد ذي حدين. وبمجرد قطع الخيزران بهذه الطريقة، تمسك أكوتسو بالخيزران وتسحب بقوة. يصبح الأمر كما لو أنه سحر، حيث تنفصل الأثلام بشكل نظيف وتنقسم إلى شرائح رفيعة من الخيزران المبلل. ثم تُربط الشرائح واحدة تلو الأخرى بأعشاب إيغوسا (المستخدمة في صنع التاتامي). وفي نهاية هذه العملية، تشكل شرائح الخيزران المتباعدة بشكل متساوٍ شكلا مثاليا للمروحة.
إلصاق أوراق الواشي
تقول أكوتسو ”عليك أن تكون سريعا وإلا سيجف الصمغ“، وهي تضغط ببراعة أولا على الورقة في الوجه الخلفي ثم الوجه الأمامي لتغطية إطار الخيزران وتضغط بيديها للصق الخيزران والواشي معا بشكل متساوٍ. يبدو أن يديها الماهرتين تتحركان بسرعة من تلقاء نفسها، دون أي حركة ضائعة.
”توفي زوجي عندما كان عمره 60 عاما. وكانت لديه موهبة الرسم“. ترك زوج أكوتسو 20 عملا لا تزال تُستخدم لصنع المراوح حتى اليوم، بالإضافة إلى لوحات سيسّون للمراوح، تتضمن صورا لمناظر ميتو المحلية، ولوحات مغسولة بالحبر لأزهار مجد الصباح. ”نستخدم نسخا من صوره المطبوعة على ورق واشي. التكنولوجيا الحديثة تعني أنه لا يزال بإمكاننا استخدام صوره حتى اليوم“.
تصنع المراوح من ثلاثة عناصر رئيسية: الخيزران المحلي، والإطار المتين مشدود بعشب إيغوسا، وورق نيشينوتشي واشي القوي. الورق المنتج يدويا في هيتاتشي أوميا، مصنوع حصريا من شجرة توت كوزو، ما يجعله أحد أقوى أنواع الواشي وأطولها عمرا. وهذا يعني أن المروحة الواحدة التي تصنعها أكوتسو ستصمد أمام العديد من فصول الصيف على الرغم من الاستخدام المكثف لها.
غالبا ما يكتب العملاء ليقولوا إن مراوحهم لا تزال في حالة جيدة كما كانت دائما بعد مرور 10 سنوات، ويبدو أن البعض يستخدم نفس المروحة لمدة عشرين عاما.
”على الرغم من أنه ليس من الجيد جدا بالنسبة للأعمال التجارية أن تصمد لفترة طويلة“، تقول أكوتسو مع ابتسامة سعيدة تعلو محياها.
سر الحياة الطويلة والسعيدة
ومن الأشياء التي تلفت الأنظار بمجرد دخولك المنزل هي قطعة جميلة من الفن البوذي تصور الإلهة بينزايتن، رسمها أحد العملاء وقدمها لأكوتسو كهدية.
”أصلي صلاة قصيرة أمام الصورة مرتين في اليوم. مرة في الصباح وأخرى في الليل، لتقديم الشكر لأني عشت يوما آخر“. إن مراوح أكوتسو المصنوعة بجهد مضنٍ هي التي تجلب هذه الروابط والبركات إلى حياتها. إنها تحب العمل بالخارج على الشرفة الأرضية المواجهة للجنوب والمطلة على الحديقة. لقد أصبحت هذه الشرفة نادرة في أيامنا هذه، ولكن حتى العقود الأولى من القرن العشرين، كانت معظم المنازل اليابانية تحتوي على شرف مماثلة مصنوعة من شرائح خشبية، وهي مساحة حدودية تفصل بين داخل المنزل وخارجه.
”تدخلها أشعة الشمس في الشتاء ويكون الجو دافئا جدا. أنا أعمل بينما تشرق الشمس. بمجرد أن يحل الظلام، يكون عمل اليوم قد انتهى“. تجلس أكوتسو تحت طاولة كوتاتسو مريحة وتشاهد أعمالا درامية تاريخية على شاشة التلفزيون، ثم تتناول عشاء خفيفا وتجلس في فراشها بين الساعة الثامنة والتاسعة.
”هناك دائما نسيم جيد داخل المنزل. الجو بارد وجاف في الشتاء، لكن في الصيف لا أحتاج حتى إلى استخدام مروحة كهربائية. عندما أذهب إلى النوم، أبقي إحدى مراوحي الورقية بجانب وسادتي مكتوب عليها كلمة ”سيفو (清風، نسيم بارد)““. ولا تحتاج إلا إلى حركة واحدة بسيطة بالمروحة لتوليد دفعة فورية من هواء منعش.
الآن بعد أن توفي والداها وزوجها وغادر أطفالها الثلاثة المنزل، تعيش أكوتسو بمفردها ولها الحرية في فعل ما يحلو لها. تقول أكوتسو البالغة من العمر 95 عاما ”أعمل كما أريد، وأعيش حياة لطيفة ومريحة. الجميع طيبون جدا وجيدون جدا في الاعتناء بي. أنا سعيدة اليوم كما كنت في السابق“. ومن المؤكد أن المراوح التي تصنعها بمثل هذه العناية والتفاني تساعدها في جلب بعض من تلك السعادة للأشخاص الذين يستخدمونها، جنبا إلى جنب مع جو الأيام الصيفية البعيدة والنسائم المنعشة للأزمنة الماضية.