أخبارالتكنولوجيا

كيف يمكن لليابان حماية تقنياتها الحساسة من القرصنة والاستغلال لأغراض عسكرية؟

بعد أن تعهدت بأن يكون الأمن الاقتصادي على رأس أولوياتها، شرعت حكومة كيشيدا في العمل على صياغة أدوات سياسية لمعالجة نقاط الضعف الأكثر وضوحًا في اليابان. في هذا الموضوع، يلقي سوزوكي كازوتو نظرة عامة على استراتيجيات حكومة كيشيدا وينتقدها.

حدد رئيس الوزراء كيشيدا فوميو الأمن الاقتصادي باعتباره أولوية سياسية رئيسية لحكومته، ويبدو أن تقديم تشريع لهذا الغرض يتصدر جدول أعمال البرلمان لإدارته خلال عام 2022. في وقت مبكر من فترة ولاية كيشيدا، كانت تفاصيل كثيرة مثل هذا التشريع لا تزال غير واضحة، ولكن الخطوط العريضة العامة بدأت في الظهور. فيما يلي، أقدم لمحة عامة عن التحديات الأمنية الأساسية التي يأمل مجلس الوزراء أن يعالجها وآفاق العمل السياسي في كل مجال.

 

الاتساق مع السياسات الدولية

تتركز جهود حكومة كيشيدا لتعزيز الأمن الاقتصادي حاليًا على صياغة تشريع جديد تحت قيادة وزير الأمن الاقتصادي كوباياشي تاكايوكي. وبينما يظل المحتوى الدقيق لهذا التشريع في مرحلة الصياغة، يمكننا من خلال التقارير السابقة التكهن بأنه سيغطي أربع أولويات رئيسية هي إنشاء سلسلة توريد أكثر مرونة، ودعم البحث والتطوير في التقنيات الناشئة، وإدخال نظام لبراءات الاختراع المصنّفة، وتعزيز البنية التحتية الأساسية.

 

كما يتصدر جدول الأعمال التشريعي هذا إنشاء إطار قانوني لعدم الكشف عن براءات الاختراع الحساسة.

 

كقاعدة عامة، تتم إتاحة براءات الاختراع للجمهور. فقط من خلال الكشف عن براءات الاختراع، يكون من الممكن إنفاذ قوانين الملكية الفكرية التي تهدف إلى منع كل من لا يحمل براءات الاختراع من استخدام التقنيات المسجلة كملكية فكرية دون دفع رسوم الترخيص المناسبة. ومع ذلك، فإن بعض براءات الاختراع تحتوي على تكنولوجيا حساسة قد يكون الكشف عنها ضارًا بالأمن القومي.

 

لقد أصبح هذا مصدر قلق كبير في الوقت الحاضر، حيث بات الخط الفاصل بين التكنولوجيا المدنية والعسكرية غير واضح. لقد رأينا بالفعل العديد من الأمثلة على التكنولوجيا المدنية المتقدمة، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، التي تم تكييفها للأغراض العسكرية، وتشجع استراتيجية ”الاندماج المدني العسكري“ التي تتبعها الصين على الاستخدام العسكري للتكنولوجيات المدنية، مما يجعل التمييز بين ما هو مدني وما هو عسكري أمراً أكثر صعوبة.

تمتلك الشركات والجامعات اليابانية عددًا كبيرًا من براءات الاختراع في التقنيات الناشئة التي يمكن استخدامها بشكل مزدوج، وقد أعرب الكثيرون داخل اليابان عن قلقهم بشأن مخاطر نشر مثل هذه المعلومات. ومع ذلك، فإن ما حفّز الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، هو الشعور بالحاجة الملحة إلى تسريع خطى اليابان لتتماشى مع بقية المجتمع الدولي. فاليابان والمكسيك هما العضوان الوحيدان في مجموعة العشرين اللذان يكشفان عن جميع براءات الاختراع الخاصة بهما، وقد تتعرض اليابان لانتقادات شديدة من شركائها الغربيين إذا تم الكشف عن تكنولوجيا حساسة في براءات الاختراع اليابانية لخصم استراتيجي مثل الصين أو كوريا الشمالية أو روسيا، ومن ثم استخدامها لأغراض عسكرية.

 

لهذا السبب، يحرص فريق الأمن الاقتصادي التابع لمجلس الوزراء في حكومة كيشيدا على أن تكون من أولوياته القصوى جعل نظام براءات الاختراع في البلاد يتماشى مع أنظمة الديمقراطيات الصناعية الرائدة الأخرى من أجل الحفاظ على سمعة اليابان كعضو مسؤول في المجتمع الدولي.

 

تأمين سلاسل التوريد

كما تتصدر جدول الأعمال التدابير الرامية إلى تعزيز مرونة سلاسل التوريد. لقد حظيت هذه القضية باهتمام كبير مؤخرًا، ليس فقط في اليابان ولكن في جميع أنحاء العالم. حيث أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بمراجعة سلاسل التوريد الأمريكية في فبراير/ شباط 2021، وتجري في البرلمان الأوروبي مداولات بشأن اتخاذ تدابير لتعزيز مرونة سلاسل التوريد في أوروبا.

 

إن العامل الرئيسي الذي يقود هذه الجهود هو المكانة المحورية التي احتلتها الصين في سلاسل التوريد العالمية نتيجة لتحرير التجارة وتكامل السوق. لقد أصبحت الولايات المتحدة والصين مترابطتين بشكل كبير من الناحية الاقتصادية، حتى مع تصاعد الخلافات حول بؤر التوتر مثل حكم الحزب الواحد الاستبدادي في الصين، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتوسع العسكري. ففي حالة تصاعد هذه التوترات وتحولها إلى صدام حقيقي، ستكون الولايات المتحدة واليابان عرضةً للإكراه الاقتصادي الصيني في شكل فرض عقوبات وحظر، وقد أظهرت بكين بالفعل استعدادها لاستخدام التجارة كسلاح ضد الدول التي تثير غضبها، كما يتضح من الحظر الذي فرضته على واردات الأناناس التايوانية وفرضها مجموعة واسعة من الإجراءات العقابية ضد أستراليا (بما في ذلك حظر استيراد الفحم) بعد أن دعا رئيس الوزراء سكوت موريسون إلى إجراء تحقيق دولي شامل في أصول جائحة كورونا.

مع وضع هذه المخاوف الأمنية في الاعتبار، أصبح من اللازم على صانعي السياسات البحث عن سبل لتقليل اعتماد اليابان على الصين، مثل تنويع مصادر التوريد الخاصة بنا للمواد والمنتجات الرئيسية وزيادة مخزوننا من الإمدادات الاستراتيجية. يبقى أن نرى كيف ستتصدى تشريعات الأمن الاقتصادي الصادرة عن مجلس الوزراء لهذه التحديات، ولكن الخطوة الأولى ستكون بلا شك هي إجراء مراجعة شاملة لسلاسل التوريد في البلاد لتقييم درجة اعتمادنا على الموردين الصينيين.

 

اتخذت الحكومة بالفعل بعض الخطوات الملموسة لمعالجة قضايا سلاسل التوريد فيما يتعلق بأشباه الموصلات، إذ تعتبر أشباه الموصلات ضرورية لمجموعة واسعة من المنتجات والأنظمة الإلكترونية وهي منتجات استراتيجية للغاية، ومع ذلك يعتمد المصنعون اليابانيون اليوم بشكل كامل تقريبًا على الشركات المصنعة في الخارج للحصول على شرائح منطقية متقدمة. علاوة على ذلك، في العامين الماضيين أدى كل من تعطل عمليات التوريد وتزايد الطلب الناجم عن تفشي الجائحة إلى نقص عالمي في الشرائح مما أثر على المصنعين والمستهلكين اليابانيين على حد سواء. على أمل تعزيز الإنتاج المحلي للشرائح بسرعة، أقنعت الحكومة اليابانية شركة تايوان المحدودة لصناعة أشباه الموصلات ببناء أول مصنع للشرائح في اليابان من خلال تقديم إعانات تغطي نصف تكاليف البناء. عندما يتعلق الأمر بالسلع الاستراتيجية من الناحية الاقتصادية مثل أشباه الموصلات، فإن الحفاظ على إمدادات مستقرة، حتى ولو على حساب التضحية بتقديم إعانات ضخمة، هو أولوية سياسية وكذلك أمنية.

 

تقوية البنية التحتية الأساسية وحمايتها

برزت الحاجة إلى تعزيز التحول الرقمي في القطاع العام بشكل كبير خلال الجائحة، عندما أدى الاعتماد واسع النطاق على النماذج الورقية إلى إعاقة عملية جمع البيانات الصحية والإبلاغ عنها (حيث تلعب آلات الفاكس دورًا بارزًا) وإبطاء تقديم المساعدات الطارئة. نظرًا لعدم وجود نظام موحد لسجل التطعيمات، فإن تتبع حالة التطعيم ضد فيروس كوفيد-19 على مختلف المستويات استلزم أيضًا تعبئة هائلة للعمالة الإدارية. وبسبب هذه الإخفاقات، أطلقت حكومة رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي برنامجًا لتطوير الوكالة الرقمية على المستوى الوطني على أمل أن يكون للآثار الإيجابية المترتبة عليه دور في تسريع إحداث تحول مشابه في الطريقة التي تمارس بها الحكومات المحلية والشركات الخاصة أعمالها.

لقد سلطت هذه المبادرة الضوء على الحاجة الملحة إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية للدولة، فخصصت الحكومة بالفعل أموالًا لتركيب شبكات الألياف الضوئية على مستوى البلديات، لكن هذا ليس سوى جانب واحد من التحدي. في اليابان، تتركز مراكز البيانات بشكل كبير في المناطق الحضرية الكبرى حيث يرتفع الطلب على الخدمات السحابية، وهذه المركزية تزيد من مخاطر حدوث أضرار جسيمة في حالة تعطل مركز البيانات. لإدارة هذه المخاطر بشكل أفضل، كان من الضروري تعزيز البنية التحتية الرقمية في اليابان مع التركيز على توزيع مراكز البيانات بشكل أوسع وأكثر تساويًا. نحتاج أيضًا إلى أنظمة قوية لحماية هذه البنية التحتية وغيرها من البنى التحتية الأساسية من التهديدات السيبرانية. يجب مراجعة استخدام المنتجات والمكونات الصينية في شبكاتنا الرقمية بعناية. لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لمواجهة هذه التحديات، ولكن القضايا قيد المناقشة ومن المرجح أن تظهر في استراتيجية الأمن الاقتصادي الناشئة للحكومة.

 

الحفاظ على مكانة اليابان في عالم التكنولوجيا

تشتد المنافسة الدولية لوضع المعايير في التقنيات الناشئة الرئيسية، ونتيجة تلك المنافسة قد يكون لها تأثير عميق على استقلاليتنا الاستراتيجية وأمننا. لذا فإن الحاجة إلى زيادة الاستثمار العام في البحث والتطوير واضحة، ولكن هذه مشكلة طويلة الأمد، ومن المرجح أن يكون التقدم فيها بطيئًا.

 

من ناحية أخرى، يمكن للحكومة اليابانية، بل ويجب عليها اتخاذ خطوات حاسمة لمنع نقل التقنيات الناشئة الحساسة إلى بلدان أخرى وتحويلها للأغراض العسكرية. ولتحقيق هذه الغاية، ستحتاج الحكومة في النهاية إلى عمل قائمة بالتقنيات الحساسة ذات التطبيقات العسكرية المحتملة وإخضاعها لقيود صارمة.

 

بالإضافة إلى فرض ضوابط التصدير على الأجهزة والأجزاء التي تحتوي على مثل هذه التكنولوجيا، تحتاج الحكومة إلى تقييد مشاركة الطلاب الصينيين في المشاريع البحثية الحساسة. يبدو أن حكومة كيشيدا تدرك أن حماية التكنولوجيا اليابانية من الاستيلاء عليها لأغراض عسكرية ستسهم في نهاية المطاف في تعزيز أمن الأمة.

الحاجة إلى استراتيجية واضحة للأمن الاقتصادي

يضع فريق الأمن الاقتصادي في حكومة كيشيدا حاليًا أولوية قصوى لصياغة الأطر القانونية وأدوات السياسة الأخرى المتعلقة بالمجالات الأربعة للأمن الاقتصادي الموضحة أعلاه. لكن لا يوجد مؤشر حقيقي لوجود استراتيجية أو رؤية كبرى تقود هذه الجهود.

 

ما نراه بدلاً من ذلك هو نهج خجول يتجنب أصول الحكم الاقتصادي لصالح تنفيذ خطة دفاعية تتوخى المصلحة الذاتية. إن المبادرات السياسية للحكومة الحالية في مجالات براءات الاختراع السرية ومرونة سلاسل التوريد والبنية التحتية الأساسية وتمويل البحث والتطوير كلها موجهة لإصلاح نقاط الضعف أو على الأكثر الحفاظ على مركز متقدم في سباق التقنيات التي تتفوق فيها اليابان حاليًا.

 

والسؤال المهم هو ما إذا كان بإمكان اليابان، باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم، أن تقفز من وضع الأمن الاقتصادي السلبي والدفاعي إلى استراتيجية واثقة وحازمة تهدف إلى تحويل قوتنا الاقتصادية والتكنولوجية إلى قوة جغرافية-اقتصادية والاستفادة من تلك القوة للمساعدة في تشكيل النظام الدولي.

 

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء كيشيدا فوميو، وسط الصورة، ووزير الأمن الاقتصادي كوباياشي تاكايوكي، إلى اليسار، يفتتحان مكتب إعداد تشريعات الأمن الاقتصادي في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. جيجي برس)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق